فيه دليل على استحباب السحور.
قال الحافظ: البركة في السحور تحصل بجهات متعدِّدة؛ وهي: اتِّباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبُّب بالصدقة على مَن يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبُّب للذكر والدعاء وقت مظنَّة الإجابة.
* * *
الحديث الرابع
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: "تسحَّرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".
فيه دليلٌ على استحباب تأخير السحور.
قال الحافظ: قال المهلب وغيره: فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن، وكانت العرب تقدِّر الأوقات بالأعمال كقولهم قدر حلب ناقة، وقدر نحر جزور؛ فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة.
قال ابن أبي جمرة: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر ما هو الأرفق بأمَّته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحَّر لاتَّبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحَّر في جوف الليل لشق أيضًا على بعض ممَّن يغلب عليه، فقد يفضي إلى ترك صلاة الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر.
وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه الاجتماع على السحور، انتهى ملخصًا.
* * *