قوله: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم)) ، في رواية: "قالوا: يا رسول الله، قد رضينا".
قوله: ((لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)) ؛ أي: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم.
قوله: ((ولو سلَك الناس واديًا أو شِعْبًا لسلكت وادي الأنصار وشِعْبَها)) ، قال القرطبي: لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه، وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب، فإذا تفرَّقت في السفر الطرق سلَك كل قوم منهم واديًا وشعبًا، فأراد أنه مع الأنصار.
قوله: ((الأنصار شعار والناس دثار)) (الشعار) : الثوب الذي يلي الجلد، و (الدثار) : الذي فوقه، وهي استعارة لطيفة؛ والمعنى: أنهم بطانته وخاصته، و (الأثرة) : الانفراد بالشيء المشترك دون مَن يشركه فيه.
قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدَّم: إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه، وحسن أدب الأنصار في تركهم المماراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبَّانهم لا عن شيوخهم وكهولهم، وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم، وأن الكبير ينبِّه الصغير على ما يغفل عنه ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق، وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبة بإقامة حجة مَن عتب عليه، والاعتذار
والاعتراف، وفيه علَم من أعلام النبوة لقوله: ((ستلقون بعدي أثَرَة)) فكان كما قال، وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء، وأن له أن يعطي الغني منه للمصلحة، وأن مَن طلب حقَّه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك، وفيه مشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصًّا أم عامًّا، وفيه جواز تخصيص بعض المخاطبين في الخطبة، وفيه تسلية مَن فاته شيء من الدنيا بما حصل له من ثواب الآخرة، والحض على طلب الهداية والألفة والغني، وأن المنة لله ولرسوله على الإطلاق، وتقديم جانب الآخرة على الدنيا، والصبر عمَّا فات منها؛ ليدَّخر ذلك لصاحبه في الآخرة (والآخرة خير وأبقى) .
* * *