شُرُوح على عقيدة وَالِده الْجَوْهَرَة وَكَانَ ذَا شهامة ونفسانية كثير الْخط على عُلَمَاء عصره وَكَانَت لَهُ شدَّة وهيبة لَا سِيمَا فِي دروسه فَكَانَ لَا يقدر أحد من الْحَاضِرين أَن يسْأَله أَو يرد عَلَيْهِ هَيْبَة لَهُ وَكَانَ كبار الْمَشَايِخ من أهل وقته يحترمون ساحته وينقادون لرأيه وَسمعت بعض الْأَشْيَاخ المصريين يَقُول أَنه لَو كَانَ على وتيرة وَالِده من الأكباب على الإفادة لفاته بمراحل على أَنه كَانَ فِي طبقته فضلا ومهابة وَكَانَت وِلَادَته فِي سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي نَهَار الْجُمُعَة خَامِس عشرى شَوَّال سنة ثَمَان وَسبعين وَألف وَحكى شَيخنَا الإِمَام الْعَلامَة يحيى الشاوي المغربي روح الله تَعَالَى روحه أَنه رَآهُ بعد مَوته فِي الْمَنَام فأنشده
(حَدثنِي ذَا الْمُصْطَفى ... من لَفظه ألف حَدِيث)
(وقصده بحفظها ... سيري إِلَيْهِ بالحثيث)
عبد السَّلَام بن عبد النَّبِي المرعشي المولد نزيل دمشق وَأحد أَعْيَان الْجند بِالشَّام كَانَ وَالِده فِي الأَصْل من البوابين بالأبواب السُّلْطَانِيَّة قدم إِلَى دمشق وَصَارَ بهَا رَئِيس المحاضر وتديرها وَلما مَاتَ خلف أَوْلَادًا كَثِيرَة وَكَانَ عبد السَّلَام أكبرهم فانحاز إِلَى خدمَة الْأَمِير فروخ أَمِير الْحَاج الشَّامي وَصَارَ كَاتبا عِنْده وَاسْتمرّ فِي خدمته إِلَى أَن توفّي الْأَمِير الْمَذْكُور بِمَكَّة فأقيم مكانة أَمِيرا وَقدم بالركب إِلَى دمشق ثمَّ قطنها وَصَارَ من الْجند واقتنى دَارا بدرب الْوَزير وَكَانَ فِي بعض الْأَحَايِين يتَرَدَّد إِلَى نابلس لعلاقة كَانَت لَهُ بهَا ثمَّ سَافر إِلَى مصر فِي خدمَة حاكمها دالي حُسَيْن باشا وتقرب إِلَيْهِ فَأَحبهُ وَأَدْنَاهُ وَلما عزل أَصْحَبهُ مَعَه إِلَى الرّوم وسافر مَعَه إِلَى روان وبغداد وَعَاد إِلَى دمشق مُتَوَلِّيًا على أوقاف السُّلْطَان سليم وَصَارَ بعد ذَلِك باش جاويش وَتوجه بِهَذِهِ الْخدمَة إِلَى الْحَج عدَّة سِنِين ثمَّ صَار كتخدا الْجند وتنقل فِي مناصبهم كثيرا حَتَّى اسْتَقر آخرا يياباشيا وَكَبرت دولته وَعلا صيته وانعقد على صدارته الْإِجْمَاع وَلم يكن أحد تعين تعينه فَإِنَّهُ انحصرت فِيهِ أُمُور الشَّام بأجمعها وَتصرف تَصرفا فاعجيبا عَاما بِحَيْثُ لم يُخَالف فِي رَأْي يقترحه وَأنْشد فِيهِ بعض الأدباء هذَيْن الْبَيْتَيْنِ مغيرا لَهما عَن أَصلهمَا وهما
(يَا سائلي عَن جلق ... وَمن بهَا من الْأَنَام)
(هاك الْجَواب عَاجلا ... عبد السَّلَام وَالسَّلَام)
والبيتان أَصلهمَا للشَّيْخ أَحْمد الْمقري قالهما فِي بني الفصين كبراء غَزَّة وَسَيَأْتِي