رَجَب سنة سبع وَعشْرين وَألف أَعَادَهَا الله لأصلها فقرّرها شرِيف مَكَّة الشريف إِدْرِيس لصَاحب التَّرْجَمَة وَذَلِكَ فِي سَابِع عشر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة وباشر الدَّرْس فِيهَا سادس شعْبَان مِنْهَا وافتتح الدَّرْس فِي تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ من قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} وَحضر مَجْلِسه فِيهَا يَوْمئِذٍ جَمِيع الْعلمَاء والأعيان وَكَانَ يَوْمًا مشهوداً وَورد إِلَيْهِ فِي غرَّة ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَألف تَفْوِيض النّظر فِي قَضَاء مَكَّة وأعمالها من لدن قاضيها يَوْمئِذٍ الْمولى رضوَان بن عُثْمَان الْمُنْفَصِل عَن قَضَاء مصر لتخلفه عَن الْوُصُول إِلَى مَكَّة ففوض إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة النّظر فِي ذَلِك فباشره وَأقَام أَخَاهُ القَاضِي أَحْمد نَائِبا بِمَكَّة ووقف بالحجيج تِلْكَ السّنة وَوَافَقَ يَوْم عَرَفَة يَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ هُوَ خطيب التَّرويَة أَيْضا فِي تِلْكَ السّنة وخطيب الْجُمُعَة فِي شهر ذِي الْحجَّة وَكَانَ اتّفق لَهُ نَظِير ذَلِك فِي سنة عشْرين وَألف حِين تولى قَضَاء مَكَّة الْمولى صَالح بن الْمولى سعد الدّين إِلَّا أَنه لم يتَّفق لَهُ فِي ذَلِك الْعَام الْوُقُوف بالحجاج لانفصاله عَن النّظر فِي الْقَضَاء بالمولى أَحْمد الإياشي وَمِمَّا اتّفق لَهُ فِي هَذِه الْولَايَة الثَّانِيَة أَنه ورد من ابْن سُلْطَان الْهِنْد خرم شاه بن سليم شاه بن جلال الدّين الْأَكْبَر صَدَقَة إِلَى فُقَرَاء مَكَّة وَالْمَدينَة فأنيط توزيعها بنظره فوزعها بَين الْأَعْيَان والفقراء ذُكُورا وإناثاً واستوعبهم استيعاباً شَامِلًا وخطب بِمَسْجِد نمرة بِعَرَفَة وَالْحَاصِل أَنه لَقِي من سمو الشَّأْن وعلو الرُّتْبَة مَا لم يلقه أحد من معاصريه بالحجاز وَقد ذكره جمَاعَة من المؤرخين والمنشئين فَمِمَّنْ ذكره الْحسن البوريني وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء عَظِيما قَالَ وَاجْتمعت بِهِ فِي مَكَّة واختبرته فَرَأَيْت عربيته متينة وحركته فِي فهم الْعبارَات جَيِّدَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ الْآن عين مَكَّة وعالمها وَإِلَيْهِ يرجع عاميها وحاكمها انْتهى وَرَأَيْت فِي بعض المجاميع مَنْقُولًا من خطّ أبي الْعَبَّاس المقرى قَالَ ذكر الشَّيْخ أَبُو الْمَوَاهِب الْبكْرِيّ أَنه تمثل للشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدي الْمَذْكُور بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي أثْنَاء مكالمة وهما

(عرضنَا أَنْفُسنَا عزت علينا ... عَلَيْكُم فاستخف بهَا الهوان)

(وَلَو أَنا حفظناها لعزت ... وَلَكِن كل معروض يهان)

قَالَ فَأَجَابَنِي

(نفوسكم وحقكم لدينا ... نفيسات تعز وَلَا تهان)

(وَتلك جَوَاهِر فلأجل هَذَا ... غَدَتْ معروضة بقيت تصان)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015