الشريف أَبُو طَالب بن حسن كلما سمع شَيْئا من هَذِه الْأُمُور تألم غَايَة التألم فأوّل مَا اسْتَقل بالشرافة أرسل من الْمَبْعُوث قبل وُصُوله إِلَى مَكَّة رسله بمسك ابْن عَتيق فمسك يَوْم الْجُمُعَة بعد الْعَصْر وَاسْتمرّ فِي الْحَبْس يَوْم السبت والأحد فَلَمَّا وصل الشريف أَبُو طَالب إِلَى مَكَّة وَتَوَلَّى أَمر وَالِده الشريف حسن وَدَفنه استدعى ابْن عَتيق وَسَأَلَهُ عَن أَحْوَاله فَقَالَ قد فعلت جَمِيع ذَلِك ثمَّ ردّه إِلَى الْحَبْس فَفِي لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ أَخذ ابْن عَتيق جنبية العَبْد الوصيف المرسم عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فَاسْتَيْقَظَ العَبْد وخلصها مِنْهُ فَأخْبر سَيّده الشريف أَبَا طَالب بذلك فَأعْطَاهُ جنبية وَقَالَ لَهُ خُذ هَذِه وَقل لَهُ لَا تسرق الجنبية بِاللَّيْلِ وأسرع بإرسالها إِلَى جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير فَأخْبرهُ الوصيف بِمَا قَالَه الشريف فَأَخذهَا مِنْهُ وَأدْخل مِنْهَا فِي بَطْنه نَحْو أصْبع ثمَّ أخرجهَا ثمَّ أَعَادَهَا وَأدْخل مِنْهَا ضعف الأول ثمَّ أدخلها جَمِيعًا ثمَّ أخرجهَا وَقَالَ وامالي وَاسْتمرّ ذَلِك الْيَوْم إِلَى ظهر يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة عشر وَألف فَمَاتَ وَكَانَ يتبجح وَيَقُول الشَّرْع مَا نريده وأبطل فِي أَيَّامه عدَّة من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة كالوصايا وَالْعِتْق وَالتَّدْبِير وَبَاعَ أُمَّهَات الْأَوْلَاد بأولادهن وَرمى بِهِ فِي درب جدة فِي حُفْرَة صَغِيرَة بِلَا غسل وَلَا صَلَاة وَلَا كفن ورمت عَلَيْهِ الْعَامَّة الْحِجَارَة وعملت الْفُضَلَاء فِيهِ تواريخ فَمِنْهَا قَول بَعضهم
(أَشْقَى النُّفُوس الباغية ... ابْن عَتيق الطاغية)
(نَار الْجَحِيم استعوذت ... مِنْهُ وَقَالَت مَا ليه)
(لما أَتَى تَارِيخه ... أجب لظى والهاوية)
ذكر ذَلِك عبد الْكَرِيم بن محب الدّين القطبي فِي تَارِيخه الَّذِي ذكر فِيهِ بعض وقائع مَكَّة
عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد كريشه بن عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن السقاف اشْتهر جده الْأَعْلَى بكريشة أحد الْعلمَاء الأجلاء الزَّاهِد العابد الْوَرع ولد بِمَكَّة فِي سنة أَربع عشرَة وَألف وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن واشتغل على خَاله عمر بن عبد الرَّحِيم وتأدب بِهِ وَصَحبه من صغره ولازمه فِي دروسه واقتدى بِهِ فِي أَحْوَاله وَكَانَ يُحِبهُ ويثني عَلَيْهِ وَأَجَازَهُ بمروياته وَأذن لَهُ فِي الْإِفْتَاء والتدريس وَأَرَادَ أَن ينزل لَهُ عَن وَظِيفَة التدريس فَأبى وَقَالَ أَنا رجل مَشْغُول بِالتِّجَارَة وانتفع بِهِ جمَاعَة من أَصْحَابه وَكَانَ لَهُ نفع عَام وَنظر دَقِيق حَرِيصًا على سلوك مسالك أهل السّنة