الدِّمَشْقِي فِي أَيَّام مجاورته بِمَكَّة المشرفة
(فِي ظلّ حمى السَّيِّد عبد الرَّحْمَن ... خيم لتفوز بالرضى والغفران)
(واحفظ نجواك عِنْده والإعلان ... كي تَنْشَق عرف عَرَفَات الْإِحْسَان)
ولد بمكناسة الزَّيْتُون من أَرض الْمغرب الْأَقْصَى فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف ورحل فِي ابْتِدَائه من الْمغرب فَدخل مصر وَالشَّام وبلاد الرّوم وَاجْتمعَ بالسلطان مُرَاد وَوَقع لَهُ كرامات خارقة وَحج سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وجاور بِمَكَّة ثمَّ رَحل إِلَى الْيمن لزيارة من بهَا من الْأَوْلِيَاء فَاجْتمع بكثيرين من أكَابِر الْمَشَايِخ مِنْهُم السَّيِّد عبد الرَّحْمَن ابْن عقيل صَاحب المخا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة وتديرها وَصَارَ مرجعاً لأَهْلهَا والواردين إِلَيْهَا وَكَانَ فِي الْكَرم غَايَة لَا تدْرك وَكَانَ يعْمل الولائم الْعَظِيمَة للخاص وَالْعَام وَكَانَت النذور تَأتيه من الْمغرب والهند وَالشَّام ومصر ويصرفها للْفُقَرَاء وَكَانَ مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد جَمِيع النَّاس وَإِذا جَاءَهُ الْمَدِين الْمُفلس ليشفع لَهُ عِنْد دائنه فبمجرد أَنه يكلمهُ فِي ذَلِك يمتثل أمره بِطيب نفس وَرُبمَا أَبرَأَهُ من دينه وَإِذا جَار أحد من السَّادة على عبد أَو أمة وَدخل عَلَيْهِ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بأغلى ثمن وَأعْتقهُ حَتَّى أعتق أرقاء كثيرا ووقف عَلَيْهِم دوراً وَكَانَ حسن الْعشْرَة إِذا اجْتمع بِهِ أحد لم يرد مُفَارقَته وَكَانَ كثير الشفاعات وَكَانَ يحب الْعلمَاء ويكرمهم وَيحسن للْفُقَرَاء ويتفقدهم بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة الْعَظِيمَة وَكَانَ يَدْعُو الله تَعَالَى بِحَالهِ ومقاله وَكَانَ لَا يلبس إِلَّا ثوبا وَاحِدًا صيفاً وشتاءً وقلنسوة وعَلى رَأسه يلبس سروالاً وَكَانَ يحث من يجْتَمع بِهِ على مُلَازمَة مَا يُنَاسِبه من صنوف الْخَيْر من تِلَاوَة قُرْآن وَصَلَاة على النَّبِي
وَكَثْرَة اسْتِغْفَار وأوراد حسان ويحض من رَأْي فِيهِ عَلامَة خير على اعْتِقَاد الصُّوفِيَّة والتصديق بكلامهم وعلومهم وأحوالهم وخصوصاً الشَّيْخ الْأَكْبَر فَإِنَّهُ كَانَ يعظمه كثيرا وَيَأْمُر بتعظيمه حكى لي الْأَخ الْفَاضِل الْكَامِل الشَّيْخ مصطفى بن فتح الله قَالَ دخلت عَلَيْهِ فِي بَيته بِمَكَّة مَعَ الشَّيْخ الْعَارِف حُسَيْن بن مُحَمَّد با فضل وَكنت لم أَدخل عَلَيْهِ قبل ذَلِك وَكَانَ لَا يخْطر ببالي ذكر الصُّوفِيَّة وَلَا أَحْوَالهم فحين اجتماعي بِهِ قَالَ لي مَا تَقول فِي الصُّوفِيَّة فَسكت لعدم معرفتي بِشَيْء من ذَلِك فَذكر الإِمَام الْغَزالِيّ وَمَا وَقع للْقَاضِي عِيَاض بِسَبَب إِنْكَاره عَلَيْهِ وَحَرقه كتاب الْأَحْيَاء فِي قصَّة طَوِيلَة عَجِيبَة ثمَّ ذكر الشَّيْخ الْأَكْبَر محيي الدّين بن عَرَبِيّ وأحواله ومؤلفاته وَأطَال فِي وَصفه وَأَنه الْخَتْم الإلهي وَأَمرَنِي أمرا جَازِمًا باعتقاد الصُّوفِيَّة