وتزرى بدرى الأفلاك لَو رَآهَا صَاحب الْيَتِيمَة اتخذها لكتابة تَمِيمَة أَو الْعِمَاد الْكَاتِب تسلى عَن خريدة الكاعب وَهُوَ نظرت فِي هَذَا الْكتاب المنطوي على بَدَائِع صنائع الْكتاب المحتوي على لطائف الإيجاز والإطناب الْخَالِي عَن شوائب معايب الْإِخْلَال والإسهاب المسبوك فِي قالب بديع تميل إِلَيْهِ الْقُلُوب المنسوج على أحسن منوال وأبهى أسلوب فَوَجَدته بحراً زاخراً متلاطم الأمواج ودراً زاهراً سلب الشَّمْس عَن رُتْبَة الابتهاج فيا لَهُ من كَاتب طوى منشور الخطباء بإيجازه وكوى صُدُور البلغاء بمحاسن حَقِيقَته ومجازه حقيق لِأَن تسير بِذكرِهِ الركْبَان وخليق لِأَن يُرْسل هَدِيَّة إِلَى فصحاء فطحان إِذْ وقف فرسَان البلاغة عَن الجري فِي مضماره وَاتفقَ شجعان البراعة على أَنه لَا يصطلى بناره تضمن دُرَر عِبَارَات مَا اسْتوْدعت أصداف الآذان إِلَى الْآن أَمْثَال تِلْكَ اللآل فِي الْأَزْمِنَة الخوال وَمَا طلع فِي أفق سَواد الْعين مذ أمدت بِالنورِ وَمثل ذَلِك هِلَال واختوى جَوْهَر أَلْفَاظ أخلب للقلوب من غمزات الألحاظ وأسحر للعقول من فترات مراض الأجفان مَعَ معَان هِيَ أحسن من أَيَّام محسن معَان وأبهج من نيل أَمَان فِي ظلّ صِحَة وأمان ولعمري أَن هَذَا الْكتاب أضحى لما فِيهِ من الْفَضَائِل مصداق قَول الْقَائِل
(وخريدة برزت لنا من خدرها ... كالبدر يَبْدُو من رَقِيق غمام)
(عرضت على كل الْأَنَام جمَالهَا ... كي تستميل قُلُوبهم بِتمَام)
(تسبي من الْعَرَب الْعُقُول بأسرها ... وَتَطير لب الرّوم والأعجام)
فَللَّه در الأديب الأريب المتعاطي لهَذَا الْجمع وَالتَّرْتِيب الْآتِي بِهَذَا الْإِنْشَاء والاختراع الَّذِي لَا يُمكن الْخُرُوج من عُهْدَة مدحه وإطرائه بِاللِّسَانِ واليراع بلغه الله تَعَالَى وطره وجزاه الْحسنى وَزِيَادَة بِمَا سطره حَيْثُ أذرج فِيهِ لطائف تنجلي لخطابها كالعروس وأدمج نفائس تتبادر إِلَيْهَا الْأَرْوَاح والنفوس وضع فِيهِ مآرب تَغْدُو إِلَى الرّوح وَأَشَارَ إِلَى نكات سَرِيَّة كالورد الطري تفوح فَأتي بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل وَعجز عَن الْإِتْيَان بِهِ سحبان وَائِل انْتهى ونظم الطالوي فِيهِ قصيدة طَوِيلَة قريب ذَلِك وَأَشَارَ بهَا إِلَى حسن هَذِه الْقطعَة بقوله
(لله مَا فقر فِي الطرس تحسبها ... وسط الْبيَاض سَواد الْعين وَالْبَصَر)
(أَو كالرياض كستها السحب سَارِيَة ... مطارف الوشي أَو موشية الحبر)