(مَا إِن رَأَيْتُك مُقبلا ... إِلَّا تمنيت الْعَمى)

أصبح فِي الشَّام كَأَنَّهُ فِي الْعَرَبيَّة ابْن هِشَام يتَكَلَّم بِغَيْر احتشام فَتَارَة يَدعِي أَنه أفضل أهل الْمشرق وَأَحْيَانا أَنه أفضل أهل الْمغرب وآونة أَنه أكمل فضلاء مصر ورادفة أَنه أجل أُمَرَاء الْعَصْر وَهُوَ خَارج من الْفَرِيقَيْنِ ودارج عَن الطَّرِيقَيْنِ

(لَا إِلَى هَؤُلَاءِ إِن طلبوه ... وجدوه وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ)

وَرُبمَا يلهو بلحيته الوسواس الخناس فيزكي نَفسه وَيَقُول أَنا أتقى النَّاس وَرُبمَا لج بِهِ الْغرُور حَتَّى فضل نَفسه على الْجُمْهُور وَإِذا تحكم بِهِ الطغيان صرح وَقَالَ من فلَان وَفُلَان وَحين يقرب بِزَعْمِهِ من نفس الْأَمر جعل نَفسه ثَانِيًا لوَاحِد الدَّهْر وَلَيْسَ حَظه من هَذِه الدَّعْوَى إِلَّا الْبلوى والشكوى وَلَا فَائِدَة وَلَا جدوى بل حَظه مِنْهَا الْجِدَال والمرا وَمن جهلت نَفسه قدره رأى غَيره فِيهِ مَا لَا يرى يزْعم أَنهم لقبوه صَاحب السَّعَادَة وَلَا أَدْرِي مَا السَّعَادَة الَّتِي ينتمي إِلَيْهَا والرياسة الَّتِي يلوب ويتهالك عَلَيْهَا إِن كَانَت أخروية فَذَلِك الْأَمر لَا يعرف كَيفَ يكون وَإِن كَانَت دنيوية فالرجل لَا محَالة مَجْنُون مفتون إِذْ لَيْسَ فِيهِ أثر من آثارها وَلَا ذرة من غبارها فالويل لَهُ من هَذِه الدَّعْوَى الكاذبة والتنابز بِالْأَلْقَابِ المخطئة الْغَيْر صائبة اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك عقلا يعقلنا عَن مثل تِلْكَ الحماقات ورشداً يمنعنا عَن تِلْكَ الدَّعَاوَى الباطلات العاطلات

(والدعاوى مَا لم يقيموا عَلَيْهَا ... بَيِّنَات أبناؤها أدعياء)

فَلَمَّا وصلت إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة أَخْبَار هَذِه الْمُقدمَة لم يزل يتطلبها حَتَّى وقف عَلَيْهَا وتحامق على حمقه وحنق وَذهب بهَا إِلَى الشَّيْخ الْمقري وَبكى وشكى من مؤلفها فَأرْسل مؤلفها يعرف الشَّيْخ سَبَب تأليفها وإنشائها وتصنيفها فَكتب إِلَيْهِ يَقُول وَلَقَد أجل سَيِّدي عَمَّا سيعرض على عالي جنابه وأنزه من ذَلِك شرِيف سَمعه وخطابه من هَذَا الوسواس المنافر والهذيان الوافي المتنافر والسخرية الَّتِي يحرس سمع الأديب عَنْهَا ويكلا والأعجوبة الَّتِي خَبَرهَا يسلى الحزين ويضحك الثكلى والمدح الَّذِي يلوح الْقدح على صفحاته والهزل الَّذِي يَأْخُذ الْجد بمخنق لهاته وَالشعر الَّذِي ينفث السحر بَين كَلِمَاته وفقراته والداعي إِلَى ائتلاف قوافيه وتضييع الْعُمر فِيهِ أَن هَذَا الرجل الملقب نَفسه بالضد وَهُوَ حَلِيف الشقاوة وَمن طَرِيق الْجد قد نصب حبائل الخداع فِي استجلاب مَا عندنَا من نفائس الْمَتَاع وَلم يفرق بَين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015