جدا لَو نظر الى أهل الارض لصاروا كلهم مَشَايِخ انْتهى وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة كثيرا مَا يَتْلُوا الْقُرْآن بالجهر تِلَاوَة مجودة بترتيل وَحسن صَوت مواظبا الزِّيَارَة جده الشَّيْخ الْكَبِير على الاهدل كل يَوْم ثمَّ يقف عِنْد كل قبر من الْقُبُور الْمَعْرُوفَة هُنَاكَ سَاعَة ثمَّ يدْخل مَسْجِد التربة فيصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُو وينصرف الى بَيته وَلم يزل كَذَلِك الى أَن توفى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف
مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد سعد الدّين بن تقى الدّين بن القاضى نَاصِر الدّين بن أَبى بكر ابْن أَحْمد بن الامير مُوسَى وَتقدم تَمام النّسَب فى تَرْجَمَة ابْن أَخِيه أَحْمد بن صَالح الشَّيْخ الْبركَة الولى المعتقد الْمَعْرُوف بالعلى القدسى كَانَ من أصلح صلحاء زَمَانه وأعرفهم بِاللَّه تَعَالَى لَهُ الطَّرِيقَة الباهرة والسمت الْحسن فى مصطلحات الصُّوفِيَّة وَذكرهمْ وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَ فى مبدأ أمره يسكن دمشق بخانقاه تقى الدّين عمر الكردى فى محلّة القنوات ثمَّ حج وجاور وَلم يسْتَقرّ بعد ذَلِك فى دمشق فَرَحل الى موطنه الْقُدس وقطن بهَا واعتقده أَهلهَا وأحبوه واشتهر صيته فى الْآفَاق وَكَانَ عَالما صَالحا سالكا على نهج كبراء الصُّوفِيَّة وَله على لسانهم شعر نَفِيس فَمن ذَلِك قَوْله مُشِيرا الى الْوحدَة الْمُطلقَة
(سلم اذا ذكر اتحادا عاشق ... وافطن فطور الْمَرْء لَيْسَ يزِيد)
(فَالنَّار يدخلهَا الْحَدِيد فيغتدى ... نَارا فَذَاك معاين مشهود)
(فاذا تخلى عَن مقَام وصالها ... فَالنَّار نَار وَالْحَدِيد حَدِيد)
وَله كرامات مَشْهُورَة مِنْهَا مَا حَكَاهُ خَلِيفَته الشَّيْخ على الحورانى الحبراصى من حبراص قَرْيَة بحوران وَكَانَ من أخص جماعته وَذَلِكَ انه شاور الشَّيْخ فى الذّهاب الى بِلَاده لزيارة أَهله فحذره من أَمر يأتى عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ دَافع عَن نَفسك مهما أمكنك وَلم يُصَرح ثمَّ توجه فَلَمَّا وصل الى دَارهم الَّتِى يعهدها دَخلهَا فَخرجت اليه امْرَأَة وأدخلته وَلم يدر أَنَّهَا غَرِيبَة فَلَمَّا اسْتَقر دَاخل الدَّار غلقت عَلَيْهِ الابواب وراودته عَن نَفسه وَكَانَ غارقا فى الجذب فَصَرَخَ عَلَيْهَا بقول الله فَلم تلْتَفت وَأَقْبَلت عَلَيْهِ فَلم يضعر الا والجدار قد انْشَقَّ وَالشَّيْخ العلمى وَاقِف يَقُول لَهُ هَات يدك يَا على وسحبه وَأخرجه فَلَمَّا أَتَى الْقُدس لزيارة الشَّيْخ وَسلم عَلَيْهِ مسك الشَّيْخ يَده وَشد عَلَيْهَا وَأَوْمَأَ اليه بالكتم وَذكره الفيومى فى المنتزه وَقَالَ فى وَصفه أشرقت شمس معارفه بالارض المقدسه فأطلعت أهل ارشاده هادية ومؤنسه فانتشرت فضائله