وَلما رَحل ابْن جانبولاذ ارْتَفع النهب عَن الْمَدِينَة وَفتحت أَبْوَاب الْمَدِينَة فى الْيَوْم الرَّابِع فازدحم النَّاس على الْخُرُوج أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا وَدخل اليها من نهبت أَسبَابه من المحلات الْخَارِجَة فَكَانُوا لَا يعْرفُونَ لتغير أسبابهم ووجوههم وابتدأت العساكر الهاربة تتراجع الى دمشق وَلم ينالوا بِمَا صدر مِنْهُم من الفضيحة وَلما فَارق ابْن جانبولاذ دمشق سَار على طَرِيق الْبِقَاع وَفَارق ابْن معن هُنَاكَ ورحل الى أَن وصل الى مُقَابلَة حصن الاكراد وَأقَام هُنَاكَ وَأرْسل الى ابْن سَيْفا يطْلب مِنْهُ الصُّلْح والمصاهرة فَأَجَابَهُ وَأَعْطَاهُ مَا يقرب من ثَلَاث كرات من القروش وزوجه ابْنَته وَتزَوج مِنْهُ أُخْته لِابْنِهِ الامير حُسَيْن ورحل ابْن جانبولاذ من هُنَاكَ إِلَى جَانب حلب وجاءته الرُّسُل من جَانب السلطنة تقج عَلَيْهِ مَا فعل بِالشَّام فَكَانَ تَارَة يُنكر فعلته وَتارَة يحِيل الامر على عَسْكَر الشَّام وَشرع يسد الطرقات وَيقتل من يعرف انه سَائِر الى طرف السلطنة لابلاغ مَا صدر مِنْهُ حَتَّى أَخَاف الْخلق وَنفذ حكمه من ادنه الى نواحى غَزَّة وَكَانَ ابْن سَيْفا ممتثلا لامره غير تَارِك مداراة السلطنة وَاتفقَ مَعَه على ان تكون حمص تَحت حكم ابْن سَيْفا وَكَانَت حماة وَمَا وَرَاءَهَا من الْجَانِب الشمالى الى ادنه فى تعلق ابْن جانبولاذ وانقطعت أَحْكَام السلطنة عَن الْبِلَاد الْمَذْكُورَة نَحْو سنتَيْن وَوَقعت الوحشة وانقطعت الطرقات الى أَن ولى الوزارة الْعُظْمَى مُرَاد باشا وَكَانَ سَافر فى ابْتِدَاء وزارته الى الرّوم وَأصْلح مَا بَين السُّلْطَان وَمَا بَين سلاطين المجر فَلَمَّا قدم عينه السُّلْطَان لدفع ابْن جانبولاذ وَبَقِيَّة الْخَوَارِج مثل العَبْد سعيد وَمُحَمّد الطَّوِيل الْخَارِج فى نواحى سيواس فَقدم الْوَزير الْمَذْكُور وَمَعَهُ من العساكر الرومية مَا يزِيد على ثلثمِائة ألف مَا بَين فَارس وراجل وَكَانَ كلما مر بِقوم السكبانية الخارجين يقتلهُمْ حَتَّى أَزَال السبكانية الخارجين وَلم يبْق سوى العَبْد سعيد والطويل مُحَمَّد فانهما حادا عَن طَرِيقه وَلم يسْتَطع لحاقهما وَوصل الى ادنه فخلصها من يَد جمشيد الخارجى وَلما انْفَصل عَن جسر المصيصة الى هَذَا الْجَانِب تَيَقّن ابْن جانبولاذ انه قاصده فَجمع جموعه المتفرقة فى الْبِلَاد حَتَّى اجْتمع عِنْده أَرْبَعُونَ ألفا وَخرج من حلب والوزير فى بِلَاد مرعش وَجزم بمقابلته وَكَانَ الْوَزير فى أثْنَاء ذَلِك يراسله بالكلمات الطّيبَة طَمَعا فى اصلاح أمره فَلم يَزْدَدْ الا عتوا وَلما تلاقى الْفَرِيقَانِ برز عَسْكَر ابْن جانبولاذ الى الْمُقَاتلَة يَوْمَيْنِ وَلم يظْهر لَاحَدَّ الفئتين غَلَبَة على الاخرى ففى الْيَوْم الثَّالِث التحم الْقِتَال حَتَّى