ادلب الصُّغْرَى وَقد وقفت لَهُ على أشعار لَطِيفَة المسلك من جُمْلَتهَا هَذَانِ البيتان وَقد أحسن فى مَعْنَاهُمَا كل الاحسان وهما

(كَأَن الدجى ظرف على الصُّبْح موكأ ... وَلَكِن لطول الا متلا والبلى انْفَلق)

(فَسَالَ فَغطّى أنجما مَا تعلمت ... لقصر المدى سبحا فأدركها الْغَرق)

وَمن ذَلِك قَوْله فى هجاء قَاض

(من شَرّ بَيت شَرّ قَاض أَتَى ... حماته يَا قبح مَا استحسنت)

(أَبوهُ محتال دنىء وَكم ... فى رَأسه من دوحة أغصنت)

(وَأمه مَرْيَم لَكِنَّهَا ... وعيشكم لَيْسَ الَّتِى أحصنت)

وَذكره الخفاجى وَقَالَ فى تَرْجَمته فَاضل تود الْعين قربه ويعتقد أَن وده أعظم قربه وأديب بديع زَمَانه وتاج رُؤْس أقرانه يستعير السحر رقته من طبعه الرفيع وَلَا تنكر الِاسْتِعَارَة من صَاحب الْبَيَان البديع الا انه اقْتدى فى شعره بِابْن حجاج كَقَوْلِه فى هجاء من لقب بالتاج

(أقبح خلق الله فى خلقه ... وخلقه وَهُوَ خسيس وضيع)

(لقب بالتاج وَلكنه ... تَاج الخصا وَهُوَ مجَال وسيع)

وَسُئِلَ عَن قَول أَبى تَمام

(رَقِيق حواشى الْحلم لوأن حلمه ... بكفيك ماريت فى انه برد)

كَيفَ وصف الْحلم بالرقة فَأجَاب بِمَا لَا يشفى الغليل مِمَّا رَأَيْت تَركه خيرا من ذكره وانا أقوله قَالَ الْقطر بلَى والآمدى انه مِمَّا يضْحك مِنْهُ لانه لم يصف الْحلم بالخفة وانما وصف بالرزانة فخفته ورقته ذمّ وَقَوله بكفيك فى غَايَة السخافة وَقَالَ ابْن السَّيِّد مَا قَالَاه لَا يلْزمه لِأَنَّهُ لم يُطلق الرقة على حلمه أجمع وانما أَرَادَ أَنه ترك الْجد الى الْهزْل فى بعض الاوقات وَالْوَقار الى الانبساط وَلذَا تحفظ بِأَن جعل الرقة للحواشى خَاصَّة واذا لم تكن الرقة الا لحواشيه فمعظمه كثيف وَقد كرر هَذَا فى قَوْله

(لَا طايش يهفو وخلائقه وَلَا ... خشن الْوَقار كَأَنَّهُ فى محفل)

وَقَوله

(الْجد شيمته وَفِيه فكاهة ... سمح وَلَا جد لمن لَا يلْعَب)

ثمَّ أَقُول وَمِمَّا يُوضح خطأه انه لم يخترع هَذِه الِاسْتِعَارَة وَقد انشد صَاحب زهر الْآدَاب فى قصَّة وَقعت مَعَ الرشيد لبَعض الاعراب من شعر أوردهُ لَهُ

(رَقِيق حواشى الْحلم حِين تثوره ... يُرِيد الهوينا والأمور تطير)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015