عُقام على ما يظهر. وما اتخذ الروم من الغسانيين في الجنوب، والتنوخيين في الشمال عمالاً لهم إلا ليقوموا بإنفاذ هذا الغرض، ويأمنوا بسلطانهم عيث البادية على أرض الشام
الجميلة.
وليست البادية التي تحد أكثر هذا القطر من الشرق كما قال الدكتور بوست باديةً حقيقية لأنه يقع فيها بعض المطر في فصل الشتاء، وينبت فيها عشب ترعاه المواشي، وتسكنها قبائل شتى من العرب، وتتدرج هذه البادية إلى جهة شمالي الشام، في السهل المتسع الممتد من نواحي حلب إلى ما بين النهرين، وكان هذا السهل مسكوناً في قديم الزمان، ولم تزل فيه آثار عظيمة تدل على كثرة الذين سكنوه ووفرة ثروتهم، إلا أنه أمسى الآن قليل السكان تجول فيه العرب والأكراد. وقد أكد موسيل أن البلاد الواقعة في شرقي الأردن كانت قبل مائة وعشرين سنة عامرة بالسكان وهي اليوم تكاد تكون خالية لعيث البادية.
وأهل الوبر الذي يشتون منذ القديم بمواشيهم فيما وراء بادية الشام من الفلوات تشتد حاجتهم في الربيع إلى أن يدخلوا المعمور، فإذا حصدت الزروع يضطرون إلى رعي أنعامهم وأغنامهم في أرض الحصيد، ومراعي دير الزور والجولان طلباً للماء، والتماساً لبيع حاصلاتهم واستبضاع ما يلزمهم. وإذ كانت أرض السقي أقلّ من أرض العذي بالشام، ومعظم الأنهار لا يستفاد من سقياها اليوم كما كانت الحال عند الأقدمين، زاد اعتداء البادية على مهاجمة البلدان الخصبة.
نقول هذا وأهم أنهارنا الفرات وهو نهر يتاخمنا من الشرق، ولا نستفيد منه الاستفادة المطلوبة لأنه منحط عن مستوى أرضنا، ولم يكن كذلك في الدهر السالف بما كان يعهد به من السدود والسكور التي كانت سبب غنى العراق، وبالطبع غنى الأقاليم المتاخمة له من أرض الشام. ولا يستفاد من الأنهار التي تشق قلب القطر الفائدة المطلوبة في الريّ. فالردن مثلاً يشق بعض أرجاء فلسطين والعاصي الذي يجري من سفوح لبنان ماراً بحمص فحماة فإنطاكية حتى
السويدية لا ينتفع بهما على ما كان الحال قديماً. فقد انتهى إلينا من عمل القدماء سد قَدَس بالقرب من قرية قطينة بجوار أرض حمضن وكان أعلى مما هو الآن بحيث يتأتى