السهول في حوران والصفا. كأن للإقليم وللعنصر الذي ينزله دخلاً كبيراً في إجادة النقش والتصوير. ومعظم العناصر التي نزلت الشام منذ عهد التاريخ من العناصر السامية، والساميون كما قال بعض علماء الإفرنج ما زالوا ينفرون من الرسم والنقش والتصوير. ولا غضاضة إذ قلنا إن الآريين أفرطوا في الاشتغال بالرسم
والنقش إفراطاً شوهدت آثاره في أمم أوربا التي خلفتهم، فكل شيء إذا لم يرسم الآن عندهم لا يفهم ولا يدرك، فأضعفوا بذلك قوة التخيل وقووا الباصرة.
ومما سيتدل به على أن التماثيل قبل الإسلام كانت تعمل وتنقش في الشام وأن العرب نقلوا عنها في جزيرتهم ما رواه ابن الكلبي من أنه كان لقضاعة ولخم وجذام وعاملة وغطفان صنم في مشارف الشام يقال له الأقيصر كانوا يحجونه ويحلقون رؤوسهم عنده. وقال ربيعة بن صُبغ الفزاري:
وإنني والذي نغم الأنام له ... حول الأقيصر تسبيح وتهليل
قال: ووجد عمرو بن لحي أهل البلقاء يعبدون الأصنام فقال: ما هذه؟ فقالوا نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها فغفلوا، فقدم بها مكة ونصبها حول الكعبة. ولا شك أن هذه الأصنام تعد من الصناعات الشامية.
ولم يخل عصر في الشام من نقاشين أبدعوا النقش على الحجر والنقش بالأصباغ على الجدران وعلى الخشب يتناقلون ذلك خلفاً عن سلف، والنقش بالجبس على الجدران، ومنها مقرنصات جميلة ذات تعاريش وكتابات حفظت في مدفن أحد الوزراء من القرون الوسطى في صالحية دمشق أمام دار الحديث الأشرفية البرانية وبينهما الطريق وتسمى هذه المدرسة التكريتية. وفي بعض الدور القديمة الباقية من القرن العاشر وبعده في حلب ودمشق كثير من القاعات تدل على ذوق. وفي در الحبب أن أبا بكر بن أحمد النقاش الجلومي الحلبي خدم أساتذة النقاشين من الأعاجم واستفاد منهم ومهر في نقوش البيوت وكتابات الطرازات على طريقة القاطع والمقطوع، وفي نقوشه ما كان لكفّال حلب وغيرهم من الرماح والسروج بالمذهب والازورد مع معرفة طريقة حله وصنعة التركاش وضعاً ونقشاً وصنعة اللوح الذي يكتب فيه وصنائع أخرى تتم عشرين صنعة. ولا يعقل أن يعمل