خطط الشام (صفحة 958)

الهندسة بالنقل عما عثروا عليه بادئ بدء ولا سيما عن الآثار البيزنطية، فكانوا يخشون أول أمرهم ثم أخذوا يجرأون فيعدلون ما يريدون احتذاءه بل يخترعون ويبدعون، فظهر لهم علم جديد مستق على غير مثال، قال: ولا نعلم هل كان للعرب قبل الإسلام طرز من البناء الخاص بهم، لأنه لم يبق من الزم السابق للإسلام سوى خرائب مبعثرة، ومن الهجرة إلى القرن العاشر كان عهد الطرز اليوناني العربي، وعلى مثاله جاء بناء المسجد الأقصى في القدس، والجامع الأموي في دمشق، والجامع الأعظم في قرطبة، والتأثيرات اليونانية ظاهرة فيها اه.

وبعد أن ترجم العرب كتب الفنون والصناعات عن الروم والفرس والقبط والسريان والهند، منذ أول النصف الثاني من القرن الأول، أخذوا يزينون كتبهم ببعض الصور، يصورونها لتمثيل المسائل العلمية للأبصار، ولا سيما كتب النبات والبيطرة والحيوان والجراحة والهندسة والفلك والجغرافيا وبعض كتب الأدب والمحاضرات والمقامات، فاستعملوها بحسب الحاجة وأجادوا بالنسبة لعصورهم، على ما ثبت ذلك بشهادة المحفوظ من مخطوطات العرب في متاحف الشرق والغرب، وأكثر من أثر عنهم التصوير والإجادة فيه وصنع التماثيل ووضعها في قصورهم خلفاء بني أمية في الأندلس، ومن جاء بعدهم من الملوك، والصور - كما قال ابن أبي أُصيبعة - إنما جعلت لارتياح القلوب إليها واشتياق النظر إلى رؤيتها، والصبيان يلازمون بيوت الصور للتأديب بسبب الصور التي فيها، وكذلك

نقشت اليهود هياكلها، وصورت النصارى كنائسها وبيعها، وزوق المسلمون مساجدهم.

نعم زوّق المسلمون مساجدهم، وكانوا أوائل الإسلام يكتفون بالصلاة مساجد أشبه بالأرض القفراء، ويفضلون السجود على الحصا ويعدون فرشها بالبواري بدعة، وذلك لئلا تشتغل العين بشيء يبعد النفس من الخشوع لبارئها، ثم أخذوا يتأنقون في مساجدهم، ويفرشونها بالطنافس والزرابيّ، ويصورون حيطانها، وينقشون فيها آيات ثم مشجرات وأماكن جميلة، ومعظم ما انتهى إلينا أو بلغنا خبره في العصور العشرة الأخيرة في الشام تصوير المسائل العلمية، والأمصار والشجار، والسفن تمخر في البحار، ثم تصوير الحيوان والإنسان ولكن على قلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015