ضرب من الشعر يُرى ولا يُسمع، والشعر ضرب من الرسم الذي يُسمع ولا يُرى. إن هذه الرسوم والتماثيل قد حفظت من أحوال الأشخاص في الشؤون المختلفة، ومن أحوال الجماعات في المواقع المتنوعة، ما تستحق به أن تسمى ديوان الهيئات والأحوال البشرية. يصورون الإنسان أو الحيوان في حال الفرح والرضى، والطمأنينة والتسليم، وهذه المعاني المرجة في هذه الألفاظ، متقاربة لا يسهل عليك
تمييز بعضها من بعض، ولكنك تنظر في رسوم مختلفة فتجد الفرق ظاهراً باهراً، يصورونه مثلاً في حالة الجزع والفزع والخوف والخشية. والجزع والفزع مختلفان في المعنى، ولم أجمعهما هنا طمعاً في جمع عينين في سطر واحد، بل لأنهما مختلفان حقيقة، ولكنك ربما تعصر ذهنك لتحديد الفرق بينهما وبين الخوف والخشية، ولا يسهل عليك أن تعرف متى يكون الفزع ومتى يكون الجزع، وما الهيأة التي يكون عليها الشخص في هذه الحال أو تلك. أما إذا نظرت إلى الرسم وهو ذلك الشعر الساكت فإنك تجد الحقيقة بارزة لك تمتع بها نفسك، كما يتلذذ بالنظر فيها حسك.
قال: ربما تعرض لك مسألة عند قراءة هذا الكلام، وهي ما حُكم هذه الصور في الشريعة الإسلامية، إذا كان القصد منها ما ذكر من تصوير هيئات البشر في انفعالاتهم النفسية وأوضاعهم الجثمانية، هل هذا حرام أو جائز أو مكروه أو مندوب أو واجب؟ فأقول لك: إن الرسم قد رسم، والفائدة محققة لا نزاع فيها، ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصور قد محي من الأذهان، فإما أن تفهم الحكم من نفسك بعد ظهور الواقعة، وإما أن ترفع سؤالاً إلى المفتي فهو يجيبك مشافهة، فإذا أوردت عليه حديث إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون أو ما في معناه مما ورد في الصحيح، فالذي يغلب على ظني أنه سيقول لك إن الحديث جاء في أيام الوثنية، وكانت الصور تتخذ في ذلك العهد لسببينك الأول اللهو والثاني التبرك بمثال من ترسم صورته من الصالحين، والأول مما يبغضه الدين والثاني مما جاء الإسلام لمحوه، والمصور في الحالين شاغل عن الله أو ممهد للإشراك به، فإذا زال هذان العارضان وقصدت الفائدة، كان تصوير الأشخاص بمنزلة تصوير النبات والشجر في المصنوعات، وقد صنع ذلك في حواشي المصاحف وأوائل السور، ولم يمنعه أحد من العلماء مع أن الفائدة