التدمريين فأجادوا في تصويرهم وكانوا ينقشون على القبور صور من دفن فيها من الرجال والنساء، مثل أهل جنوة في إيطاليا في العصور الأخيرة، ومنها صورة جاريتيت رآهما أوس بن ثعلبة التيمي في القرن الأول وقال فيهما أبياته المشهورة:
فتاتي أهل تدمر خبراني ... ألمّا تسأما طول المقام
قيامكما على غير الحشايا ... على جبل أصم من الرخام
وفي دار الآثار بدمشق مجموعة تماثيل من قبور تدمر كأنها تنطق، ومنها صورة فتاة مزينة الرأس يستدل منها على صورة تصفيف الشعور في ذاك العصر. وكيف كانت أزياء نساء تدمر وبهرجة رؤوسهن وأقراطهن وعصباتهن، وفيما ظهر مؤخراً في مدينة تدمر من تماثيل صاحبتها زينب ووصيفاتها وفي غير ذلك من الشخوص دليل على تبريز التدمريين في هذا الشأن.
أما التصوير عند الروم واليونان في الشام فإن منه نموذجات تأخذ بمجامع القلوب قال الثعالبي: لم يبدع التصوير إبداع الروم والرومان أحد من الأمم، فقد كان لهم إغراب في خرط التماثيل وإبداع في عمل النقوش والتصوير، حتى إن مصورهم
يصور الإنسان ولا يغادر شيئاً إلا الروح، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره ضاحكاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت، وضحك الخجل، وبين المبتسم والمستغرب، وبين ضحك المسرور وضحك الهازئ، فيركب صورة في صورة، وصورة في صورة.
والمصانع الشامية من العهد الروماني هي ذات أشكال معتادة في تلك الأعصر لها نقش ظاهر خاص بها من النقوش النباتية الكبيرة المنقولة عن نباتات القطر ولا سيما في فلسطين على عهد الملوك والقضاة ومنها ما يستعمل فيه صور الطيور. قال دوسو: إن في الكتابات التي وجدت في الصفا صورة فرسان مسلحين برماح طويلة على مثال بدو هذه الأيام، وأحياناً تمثلهم وهم يطاردون غزالاً أو وعلاً أو يصطادون أسداً، ومنهم الفرسان يحملون الرماح والمشاة مسلحون بالقوس والنشاب. ولقد غصت فلسطين على عهد الإمبراطور قسطنطين بالمصانع التي تذكر بالحوادث الخطيرة التي وردت في الإنجيل وقد زينت هذه المصانع بالفصوص التي تمثل هذه المشاهد.