حتى في فهم ما انتدبوا إليه، فكانت تنكشف أعمالهم منذ أول يوم يسبحون بحمد من استهووهم.
وبعد فالصحافة العربية في الشام تحتاج إلى أربع أو خمس صحف وبضع مجلات على النمط العالي من نوعها في أمم الحضارة، تصدر في أُمهات حواضر الشام القدس وبيروت ودمشق وحلب وترجع في شؤونها إلى شركات منظمة تدير ماليتها، أو أحزاب سياسية ثابتة تدير حركتها، ويوكل أمرها إلى كفاة ينسجون فيها على أحسن منوال نسجته صحافة أوربا وأميركا، ونحن لا نتطال إلى أن يكون للشام صحافة كصحافة بريطانيا العظمى بوفرة مادتها، وصدق لهجتها لأمتها، وسرعة تناولها الأخبار، وتنويع أساليب التعليم والتفهيم، بل نرجو أن تكون لنا صحافة متناسب مع ماضينا وحاضرنا، بحيث لا تكون الشام أحط من مصر في هذا الشأن على الأقل. الصحافة عنوان ارتقاء الأمة، وليس ما يمنع من إبرازها في قوالب مقبولة لجميع الأذواق، وهذا لا يتم إلا إذا وسدت أعباء الصحافة للعارفين.
قلنا في سنة 1328هـ 1910م من مقالة المجلد السادس من مجلة المقتبس: وقد رأينا هذا التهالك على إنشاء الصحف والمجلات حتى كان لنا منها نحو مائة صحيفة في هذا القطر الصغير، نأسف لأكثرها على الورق الذي تطبع فيه والوقت الذي يصرف عليها، وهي خلو من الفوائد اللازمة، ولولا بضع جرائد ومجلات لا بأس بها في الجملة، لقلنا إننا بعد اشتغال ستين سنة في الصحافة لا نزال في حالة ابتدائية، إن للنجاح في الأعمال أسباباً كثيرة، منها ما هو مادي ومنها ما هو معنوي، إذا اختل أحدهما تعذر النهوض بالشق الآخر. وإنشاء الجرائد والمجلات لا يخرج عن هذا المقرر. وهل في الأرض عمل لا يحتاج إلى علم وتجارب ومال واستعداد؟ ولطالما رأينا مصر في الثلاثين سنة الأخيرة، والشام في عهدها الدستوري وغيرهما من الأقطار والأمصار التي يتكلم أهلها بالعربية، تتجرأ على إصدار الصحف بدون حساب ولا روية، وأدركنا العامة أجرأ من الخاصة على
اقتحام هذا المركب الصعب، وليس لديهم في الأغلب من وسائط النجاح كبير أمر، فلا يلبث ما ينشئون أن يظهر إلى الوجود حتى يختفي اضطراراً لا اختياراً. وهذا هو السبب في تعدد الجرائد وقصر أعمارها واشمئزاز