اختص القرن الرابع عشر بأن تجلت فيه فائدة العلم لعامة الشعب، فصار المقتدرون من الناس يلقون بأولادهم لأي مدرسة كانت ليأخذوا العلم منها، ودبت الغيرة في نفوس المسلمين فأنشئوا بعض المدارس الأهلية مثل مدارس المقاصد الخيرية وغيرها في بيروت وصيدا ودمشق وحماة وحمص وحلب وطرابلس فخرّجت هذه المدارس مئات من المتأدبين كما خرّجت المدارس الطائفية مثل مدرسة البطريركية ومدرسة الحكمة المارونية في بيروت.
وكان الفضل في هذه النهضة الشامية أولاً لمدارس لبنان وبيروت وعناية بطاركة الموارنة ومطارنتهم وأساقفتهم وقسيسيهم بالعلم واللغة. أما العلوم الطبيعية والرياضية والطبية فانبعثت جذوتها من الجامعة الأميركية اكثر من غيرها، ولو لم
تُبطل تدريس العلوم بالعربية وتجعله إنكليزياً لتضاعفت الفائدة التي نشأت من هذه المدرسة العالية، وكان من أستاذين من أساتذتها الدكتور فانديك الأميركاني والدكتور ورتبات الأرمني فضل على العربية بما كتباه في العلوم المختلفة باللغة العربية وكذلك كان شأن بوست الأميركاني فإنه ألف كتباً علمية نافعة بلغتنا فعدّ منا، وكذلك فعل بورتر وغيره.
إن المدارس الطائفية ومدارس المرسلين من الأميركيين واليسوعيين وغيرهم من الأمم ذات المطامع في الأرض المقدسة قد جعلت التربية متلونة فأصبح كل متعلم يخدم الغرض الذي أُنشئت له مدرسته، وانقسمت الأمة بهذا الضرب من التعلم أقساماً، وتباعدت مسافة الخلف بين أبناء البلد الواحد، لاختلاف المذاهب بل للاختلاف في المذهب الواحد مما لم يكن له أثر يذكر في غابر العصور، ولأن معظم المدارس التي أنشأها غير الوطنيين من الشاميين كان العامل في تأسيسها مذهب خاص في الدين والسياسة، فالإنجيليون أو البروتستانت تنتشر دعوتهم كل يوم، واليسوعيون ينزعون منزعاً آخر في التربية الدينية والسياسية، وهكذا لو أردنا أن نعدد أسماء الجمعيات الدينية التي تعلم المسيحيين في الشام لما رأيناها تقل عن ثمانين إرسالية. ومنها ما ينزع من المتعلم حب قوميته