أفراد جيوشهم يعتقد بأنه إن مات مات شهيدا، وإن عاش عاش سعيدا.
أما الروم فكانوا على كثرة جيوشهم، ووفرة أسبابهم من المؤن والذخائر في أرض عامرة هي وما وراءها إلى أرض الروم، والنجدات تأتيهم أرسالا على أيسر سبيل، ومع هذا فقد كثرت هزائمهم وعد قتلاهم بالألوف وقتلى العرب بالمئات، وتركوا أرضا عرفوا معالمها ومجاهلها فلم تغن عنهم كثرتهم ولا وفرة أسبابهم، فقُهروا وغُلبوا على أمرهم، وهاموا على رؤوسهم لا يلويهم شيء، وذلك لأنهم كانوا متفسخين مشتة أهواؤهم، والناس هنا قد يئسوا من عدل الرومان في أواخر أيامهم حتى إنهم لما طلبوا مالا من منصور عامل هرقل بدمشق لاستئجار رجال يحاربون المسلمين نادى بأن ليس لديه مال، ليسمع الناس وييأسوا ويفتح السبيل للمسلمين. وكان هرقل كتب إلى منصور هذا أن يمسك عليه الرجال بالمال فأبى منصور وقال: إن الملك غير محتاج إلى هذا العسكر العظيم، وإن العرب قوم غزاة، وهذا العسكر يحتاج إلى مال كثير وليس بدمشق مال عظيم. قال ابن بطريق: أراد بذلك أن يسمع الرجال أن ليس بدمشق مال يعطيهم فيتفرقوا ويسلَم دمشق إلى المسلمين.
ولعل لتأليف جيش الروم، وكان مؤلفا من أجناس وأخلاط دخلا في الهزيمة، وربما كان رجال الدين من الروم في دمشق يوم الفتح العربي مستائين من القواعد التي سنها هرقل ليضع حدا للمنازعات الدينية، ولعلهم عاونوا على تسليم دمشق للعرب أو تركوا المسائل تجري في أعنتها. ولكن من المحقق أن العرب المتنصرة في الشام عادوا بعد أن صاروا مع الروم فانضموا إلى العرب المسلمين وأخذتهم
النّعرة الجنسية فغلّبوها على النّعرة الدينية وأصبحوا للمسلمين عيونا على الروم وأن اليهود والسامرة كانوا مع المسلمين الفاتحين. قال هوار: توصل الإمبراطور أن يجمع في حمص ثمانين ألف مقاتل نصفهم من جنده والنصف الآخر من معاونين أرمن، وكانت النجدات تتوالى عليه إلا أن الشقاق الداخلي كان يمزق أحشاء الجيش الروماني، وقد شغب الجنود من الأرمن وطلبوا أن يكون ماهان إمبراطورا قبيل وقعة اليرموك.