والتلهف على زوال مجدهم، ما خلد ذكرهم في تاريخ الأدب. وقد زعم كثيرون أن المسيح أتاهم مبشراً بالرجوع إلى أرض الميعاد فلم ينجحوا لأن البيئة التي عاش فيها اليهود قروناً حالت دون بلوغهم أمنيتهم وحرمتهم الشعور بالروح القومي، لو لم تتوالى عليهم عواصف الاضطهادات في أوربا التي أيقظتهم ودفعتهم إلى إظهار الصهيونية الحديثة التي أوجدها عاملان الأول الشعور بالقومية، الثاني مضادة اليهود العامة. والقصد من الصهيونية عزل الشعب اليهودي عن الشعوب الأخرى، وجعل فلسطين وطناً خاصاً بهم، يقوم على القومية ويعترف لهم به اعترافاً دولياً مضموناً ضماناً شرعياً.
ظهرت الصهيونية بمظهرها الحقيقي سنة 1852م حين حضّ هولنكسورث الإنكليزي على إقامة حكومة يهودية في فلسطين لحماية طريق الهند البرية. وسافر السر موسى منتفيوري إلى فلسطين وطلب من محمد علي باشا المصري إسكان اليهود في القطر فرفض طلبه. وقام كثيرون من الأدباء والسياسيين واقترحوا اقتراحات مختلفة منها جعل فلسطين حكومة يهودية، أو عمل خط حديدي في العراق وإسكان اليهود على جانبيه أو إيجاد مأوى لهم في شرق الأردن.
وقد حاكم كاليشر في كتابه مطلب صهيون حول استعمار فلسطين واستملاك الأرض وإنشاء مدرسة زراعية وتأليف حامية إسرائيلية عسكرية ومزج الفكرة القومية بالروح الديني وصرح أن الخلاص الذي نوه به الأنبياء يأتي متتابعاً بمساعدة اليهود أنفسهم. وسافر مراراً لترويج هذه الفكرة، وألف الجمعية الأولى الاستعمارية في فرنكفورت سنة 1861 وحمل بعض الحاخاميين على الاشتراك معه وأعلن بعضهم أن الاستعمار في فلسطين من الأمور المقدسة فألهبت تقوى اليهود هذه الجملة البراقة، وألفوا بعض جمعيات استعمارية في الممالك الأوربية وأُسست المستعمرة الصهيونية الأولى عيون قارة في فلسطين سنة 1874. إلا أن العمل الجدي شرع فيه سنة 1897 عند عقد المؤتمر الأول الذي اشترك فيه ممثلو خمسين جمعية صهيونية وبرزت الروح الاستعمارية بشكل جلي فقاومتها الحكومة العثمانية بوضع العراقيل أمام هجرتهم وقيدتهم بقيود