بحجة العمل في أراضيهم
لإخراج الحبوب للجيش. ولكن الغلات التي استغلوها لم يقدموا منها شيئاً للدولة على الرغم من إلحاح القائد العام عليهم، فحفظوا حبوبهم في أهرائهم حتى شحت في الشام، ثم أخذوا يبيعونها بأثمان فاحشة ولولا ذلك لجاع أهل مدينة دمشق نفسها على قربها من حوران أنبار الشام العظيم. ولذلك كان جمال باسا يحرّق الأُرّم عليهم، ولو خرجت دولته ظافرة لأرسلوا حملة على هذا الجبل تهلكه وتخربه. وأخرى وهي تعد في مآثر الدروز هذه النوبة، وهي أنهم آووا في جبلهم نحو عشرين ألف لاجئ من العرب والترك على اختلاف مذاهبهم، فراراً من الجندية أو غيرها، وأطعموهم مدة الحرب بلا عوض، ومنهم من كانوا يشغلونهم في أراضيهم مقابل إطعامهم فقط، فكانت مضافات الرؤساء منهم أشبه بفنادق ومطاعم عامة مجانية، خدامها أصحاب تلك البيوت من أعيان الجبل، فمثلوا بعملهم القِرىَ العربي والمروءة والشهامة، وكفروا عن سيئات المسيئين منهم في الماضي، وكان جبل الدروز أقوى صلة بين جزيرة العرب والشام والعراق مدة الحرب ولا سيما بعد استقلال الحجاز، وعزم الحلفاء على فتح الشام باسم الأمير فيصل واسم أبيه، فكان مركز جبل حوران من الوسائط النافعة لأبناء الشام والحجاز معاً، وفيه تألفت عصابات من الدروز لإلقاء الاضطراب في صفوف الجيش التركي، وظلّ أكثر زعماء الجبل على ولائهم للدولة العثمانية حتى أظلتهم الرايات العربية.
أخذ الجيش التركي في الجبهة ينضغط على نفسه وتتضاعف فيه مضاعفات النفوس من جوع وعري، ففي 26 و27 آذار 1917 حدثت معركة غزة الأولى بين الترك والإنكليز وفي 19 نيسان كانت معركة الرمادة، وفي 4 آب انهزم الأتراك للمرة الثانية في محاولتهم غزوة مصر في قطيا، وفي 23 تشرين الأول
و7 تشرين الثاني اخترق البريطانيون خط العثمانيين بين بئر سبع وغزة، فتخلى الأتراك عن الابن وبئر السبع وكانت وقعة في أزقة غزة على أسلوب حرب المتاريس اشتركت فيها البحرية البريطانية بمدافعها من البحر، وكانت الغلبة