قويت رغبتهم في تعليم أبنائهم، ولكن المسلمين مالوا إلى الترك لأخذ الوظائف الجندية والملكية، والمسيحيين والإسرائيليين مالوا إلى التفرنج لتعلمهم في مدارس الأجانب التي ظهرت تأثيراتها في أيامه، ومنها الهجرة إلى مصر والسودان والاميركتين، والزهد في سكنى العثمانية. وفي عهده زادت الخطوط الحديدية في المملكة ومعظمها خطوط حربية ثبت له غناؤها بعد حرب روسيا الأخيرة، وفي أيامه اتصلت حلب برياق ودمشق ببيروت، ودمشق بدرعا، ويافا بالقدس، وحيفا بدرعا، ودمشق بالمدينة، وطرابلس بحمص، إلى غير ذلك من الخطوط التي نفعت الشام ولا سيما الخط الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة.
وفي أيامه خفت وطأة الأشقياء إذ كان يقضي عليهم بالسجن الطويل والقاتل منهم يؤبد في السجن، فاستراحت الشام قليلاً وأخذت تدخل في نظام الأمم الأوربية. وكان من سياسته أن لا يستدين من أوربا مالاً ولا يعقد قروضاً مهما احتاجت الدولة للمال وساءت حالها، وكان لا يحب إهراق الدماء، وأبطل الحكم بالقتل فكان القاتل يخلد في سجنه. ففي أيامه اعتدى اليونان على الأرض العثمانية، فأعلنت الدولة حرباً على اليونان وكان الدخول في هذه الحرب مخالفاً لإرادته، وقد جعله الباب العالي أمام أمر واقع فأعلنها كارهاً، فانتصرت الدولة لكن أوربا حاولت أن لا تنحي على اليونان، وما زالت تطاول في عقد الصلح إلى سنة 1897م وكانت نتيجة ذلك أن دفعت اليونان للعثمانية غرامة قدرها أربعة ملايين ليرة ولعلها أول غرامة أخذتها من تغلبها في إحدى الوقائع بعد ذلك العز الباذخ، وقضى عدل السياسيين بأن تخرج الدولة من تساليا!.
ويقال بالإجمال: إن عبد الحميد نسخة صحيحة من تربية القصور، وصورة من صور دسائسها وشرورها، استفاد من تجارب غيره ومحنهم فاحتاط وحذر،
وطالت أيامه وعرف كيف يدخل في روح الأمة ويسخر مشايخها وأرباب الطرق والمظاهر، يسبحون بحمده ويعددون حسناته بما يقبضون من صلاته، وخلقوا له مناقب اخترعوها ما كان هو يحلم بها، وكان كل شيء في أيامه ظواهر ومظاهر، ومن دهائه النافع معرفته الدخول في عقلية السفراء فكان