شخص من الكبراء وأرباب المقامات، وقرروا أن جنون السلطان مراد مطبق لا يرجى أن يفيق منه، وأفتى شيخ الإسلام بحل بيعته - وما أسرع مشايخ الإسلام في إصدار فتاواهم لصاحب الوقت أياً كان وما أبطأهم في فتاويهم في المسائل الجوهرية - وبويع لعبد الحميد فما عتّم أن أقصى عن دار ملكه من كانوا السبب الأول في خلع عبد العزيز من العظماء.
وأخذ عبد الحميد يكثر من التضييق على أخيه مراد وعلى سائر أفراد الأسرة السلطانية ولا سيما عهد السلطنة، ويشرد كل من عرف بالإنكار عليه من الوزراء والعظماء، فألقى بذلك الرهبة في نفوس قواد المملكة وساستها، وأصبحت الطبقة التي اختارها تسير على رغبته، وكل من خالفه، ولو في سره، أقصاه وسجنه وعذبه، وكلما مضت سنة على ملكه يزداد مراناً على هذه الأفعال، ويبالغ في الاحتياط لنفسه، وغدا يتولى كل أمر بذاته، ويبعد أرباب الوجدان من رجال الدولة ويستعيض عنهم بأناس ممن يصطنعهم، وما يصطنع إلا من فسدت أخلاقهم من كل جنس على الأغلب، حتى آلت أزمة الدولة في العهد الأخير إلى أيدي طبقة من
أعوانه طغوا وبغوا.
أخذ عبد الحميد يملك الأملاك باسمه على خلاف عادة الملوك والسلاطين، فكان كلما سمع بأن في إقليم كذا أراضي من أملاك الدولة يأخذها بلا ثمن إن كانت من الأملاك الأميرية، أو بثمن طفيف إن كانت للأفراد وعجزوا عن استغلالها، فيضمها إلى أملاكه السنية، وألف عدة شركات وفتح في العاصمة مخازن لبيع البضائع وبعض المعامل، وضارب بالأوراق المالية واتجر بالامتيازات. وهكذا أصبح عبد الحميد تاجراً مزارعاً مضارباً قلما يهتم بشيء من أمر الملك إلا إذا كان تقريراً من جواسيسه الذين كثروا في العاصمة والولايات كثرة ضاقت بالإنفاق عليهم خزانة الأمة، وكلهم أمناؤه إن اخطئوا فلهم الأجر، وإن أصابوا فحدث ما شئت أن تحدث عما ينهال عليهم من إنعامه وإحسانه. ولقد قلّ جداً في عماله من لم يتجسس له، لا سيما بعد أن شاهد الناس أن الترقي في الوظائف لا يتأتى في الأغلب إلا من طريق الجاسوسية المحببة إلى قلب السلطان، وغدا التجسس عند بعض الطبقات من الأمور التي لا تنكر.
اشتد ضغط عبد الحميد على المدارس حتى حظر أن يعلم فيها التاريخ