أن ينشئوا لهم في صميم الشام دولة صغرى ناسين جميع الاعتبارات التي كانت تحول دون أمانيهم، وتهيب بالدولة إلى مناجزتهم القتال كلما حاولوا أن يرفعوا رؤوسهم.
وكانت الدولة هي التي ساعدت على تعاقب ثوراتهم وتسلسل شقاواتهم واستلذاذهم بالحروب، لأنها اتخذتهم آلة في لبنان ووادي التيم وحوران للانتقام من عدوها إبراهيم باشا واستخدمتهم آلات لها في مذابح سنة الستين. ودفعتهم في طريق الشقاوة والمقاومة بمالها وسلاحها فظنوا أنفسهم قوة مهمة لا تقف أمامها قوى دولة، وعرفوا أنهم إذا ظفروا كان لهم ما يريدون، وإذا غُلبوا يحسنون مداراة رجال الدولة، ولهم من بريطانيا العظمى على كل حال دولة تسأل عنهم وتعنى بمصالحهم، فلهم أن يدلوا على جيرانهم وعلى الحكومة.
وكان الشعب في معظم الأرجاء يستخف بعامة الدروز إذا اختلفوا إلى الحواضر، وإذا ذكروا يذكرونهم كما يذكرون النصيرية بالسخرية والمهانة، فيشق ذلك على جماعتهم خصوصاً والدروز لم يفقدوا أصولهم العربية ومن شأنها الشمم والإباء، فكانوا يصعب عليهم سماع ما يصمونهم به، وربما كذب الناس عليهم ونسبوا إليهم أموراً ليست من مذهبهم ولا من عاداتهم، كذبهم على النصيرية أيضاً، وكان لبعض المشايخ المتعصبين في الحواضر يد في إلقاء هذه الكراهة وهذه النفرة بين هاتين الشيعتين وبين الأكثرية من أهل السنة، الذين انشقوا منهم، ولعل الحكومة كانت تتعمد ذلك ولا يسوؤها فتغضي عما كان النصيرية والدروز يسامونه من الذل، وتفسح المجال للعامة والمشايخ البله أن يعاملوا مواطنيهم تلك المعاملة المؤلمة على النفوس الأبية، فيقابلها الدروز بمثلها يوم يكون لهم السلطان المطلق
في جبلهم وأرضهم.
ولو كانت الدولة بذلت شيئاً من العناية بهذين الشعبين الجبليين في الساحل والداخل، كأن تنشر بينهم التعليم الابتدائي، وتعطف على كورهم فتصلح طرقها، وتدخل عليها ما يمكن من أسباب النجاح لاستغنت هي والأمة عن مقابلتهما، وهم بعض أبنائها، بالسف والمدفع لتعيدهم كلما نشزوا إلى حظيرة