وذللت، عاملت الحكومة العشيرة الظافرة نفس تلك المعاملة دواليك، حسبما تقتضي سياسة التفرقة والأحوال. ولا أدري إلى أي عصر تمتد سلسلة هذه الروايات المحزنة التي نرجو من الله أن يحسم أسبابها بأيدي المصلحين. والتبسط في شرحها لا يجدي أو لا ينتج إلا أن الشرقيين هم السبب الأعظم في بلاء أنفسهم وحجة الله فيه على المتسمين بسمات الدين، وتلك حزازة في نفوس المصلحين. والذي أراه أن قدم الحكومة التركية لم ترسخ في جبال العلويين حق الرسوخ وخاصة في مقاطعة الكلبية، وكانت الحكومة إذا أُحرجت جردت العساكر فنهبت وسلبت وحرقت وفتكت، فإذا رجعت العساكر، عادت العشائر إلى ما كانت عليه، يضبط الحاكم الحازم جماحهم، ومتى بُدل بحاكم ضعيف الإدارة أو مرتش، عم البلاء من الرؤساء الفسدة والأشقياء الجهلة. لما حكم إبراهيم باشا المصري قطع دابر أهل الفساد، وضرب الأمن أطنابه بحيث لم يكن يسمع في عرض البلاد وطولها نهب، ولا قطع سبيل، فرتع الأنام في بحبوحة الأمن مدة حكمه الذي كان مع صرامته نموذج العدل والإنصاف، فلما دالت دولته حصل من اختلال الأحوال ما لا يحصره المقال 1هـ.
كان يظن بعد أن خمدت ثائرة الفتن في لبنان وما إليه من جبل اللكام أن الناس يرتاحون من الحملات والغارات إلا ما كان من غزو البادية بعضهم مع بعض فإن ذلك من المتعذر لأنه مرض قديم مستعص نشأ قبل الإسلام بقرون، ولم تقو جميع الحكومات التي تعاقبت على الشام أن تقضي عليه وتستأصله من أصوله، بيد أن القوة التي أحرزها جبل حوران بالدروز الذين هاجروا إليه جعل من الجبل موطن
غارات وغزو، وأصبح هذا الجبل إبرة سفينة الأمن في الشام، وكان يتلبس بهذه الصفة جبل لبنان في القرون الماضية فيتعب سائر الأرجاء الشامية، ويضطر الحكومة أن تتقي شره بإثارة أهل الجوار عليه، وإلقاء الخلاف بين أمرائه ومشايخه.
نشبت فتن في جبل حوران في أعوام مختلفة، وكثيراً ما كان بعض أشقياء