تؤثر الأثر المطلوب في شعوب الشام وتردهم إلى الطاعة، وقد عرف إبراهيم باشا كيف يؤثر في الشاميين وذلك بأن استمال إليه قلوب أشرافهم وأعيانهم وألقى بينهم الشقاق ضمناً عند الاقتضاء، وبذلك تيسر له حكم هذه الإيالات ووضع ضرائب شديدة عليها ما كان القوم يتحملونها لو لم يكونوا من عناصر وأديان مختلفة، وكان شريف باشا حاكماً على الشام كله وتحت يده الحكام، وكان طماعاً في المال.
هذا هو الإنصاف في الحكم على حكومة إبراهيم باشا وما هي في الحقيقة إلا روح محمد علي الكبير التي كان يستمد منه ابنه، ولا يصدر إلا عنه في الخطوب ولا يقطع أمراً دون الرجوع إلى رأيه، حتى جاءت أحكام المصريين نموذجاً في الإدارة، ولو عزمت الدولة العثمانية أن تستفيد من هذا الدرس لأرادت عمالها على تطبيق خطط إبراهيم باشا في الإصلاحات التي قام بها خلال التسع سنين التي قضاها في هذا القطر، ولكن العثمانيين ابتلوا بالإهمال والغرور، لا يعمدون إلى حسن الإدارة ويتظاهرون بالإحسان إلا يوم الشدائد، فإذا زالت عادوا إلى طبائعهم في إعنات الرعية وإلقاء الحبل على الغارب، ونسوا ما أعطوا من عهود، وما وضعوا من القوانين. وهذا ما دعا إلى ظهور الفروق الكثيرة بين الإدارتين
المصرية والعثمانية بعد رحيل جيش إبراهيم باشا عن هذه الديار، وهو الجلاء الذي اقتضته الدول الكبرى بل الدولة البريطانية التي حملت الدول على موافقتها على رأيها لآمال لها تريد تحقيقها في مصر والشام، لتكون هي الحاكمة المتحكمة في مصالحها لا الدولة المصرية الفتية التي تحب فرنسا وتساهمها سياستها أحياناً. وما مصر والشام إلا طريق الهند الأقرب، بل مفتاحها من البحر المتوسط، وإذا أردنا أن ننظر بعين المؤرخ المنصف نرى بريطانيا العظمى هي التي اقتضت سياستها القضاء على أماني محمد علي بل أماني العرب من إنشاء دولة عربية، كما أوجبت سياستها قبل ثلاثين سنة أن تدعو الدولة العثمانية إلى حرب الوهابيين في نجد والحجاز حرباً عواناً لأنه كان