أرسل فريقا آخر إلى الجليل ففتحت مدينة صفورية صافوريس أبوابها لجنود الرومانيين واقتدى بها غيرها من المدن، واعتزل المشاغبون في جبل عرقون المقابل لصفورية، فسار إليهم الجند فظهروا عليهم وقتلوا منهم أكثر من مائتي رجل، وأحدقوا بالجبل من كل جهة فقتلوا منهم نحو ألف إنسان ثم أحرق أفيق فقوعة والفولة والقرى المجاورة لها.
وتسلسلت هذه الوقائع الرومانية في هذا القطر، فسار فسبسيان الروماني إلى الكرك تاريكا فقتل منهم وانهزم كثيرون في سفنهم وأبعدوا في بحيرة لوط فكان عدد القتلى من اليهود في البحر والمدينة ستة آلاف وخمسمائة رجل. وبعد أن قهر الرومانيون كرك وجفت - وجفت غربي قانا الجليل على مقربة من جبل كوكب كاران - استسلمت باقي المدن وهلك من أهل كامالا شرقي البحيرة خمسة آلاف، ثم خضعت بعض مدن فلسطين وقتل في القدس ثمانية آلاف وخمسمائة سنة 68 وجعلت القدس مستعمرة رومانية 136 باسم ايليا كابيتولينا، ثم انقضت قرون في
سلام على الجملة، ولم يدخل الشام في حرب خارجية.
كانت معاملة الرومان للشاميين باديء بدء عادلة حسنة مع ما كانت عليه مملكتهم في داخليتها من المشاغب والمتاعب. ولما شاخت دولتهم انقلبت إلى أتعس مما كانت عليه من الرق والعبودية. ولم تضف رومية بلاد الشام إليها مباشرة، ولم يصبح سكانها وطنيين رومانيين، ولا أرضهم أرضا رومانية، وظلوا غرباء ورعايا وكثيرا ما كانوا يبيعون أبناءهم ليوفوا ما عليهم من الأموال. وقد كثرت المظالم والسخرات والرقيق وبهذه الأيدي عمر الرومان ما عمروا من المعاهد والمصانع في الشام.
وفي سنة 540 جاء ملك الفرس خسرو الأول واسمه عند العرب أنوشروان في جيوشه الضخمة ودخل الشام وظل فيه ثلاث سنين، وطرد بليزير الروماني الفرس سنة 542 وعادوا إليها بعد وفاة يوستنيانوس بزعامة خسرو الثاني، والتحم القتال مع ملوك الساسانيين وطردهم الإمبراطور هرقل