الزعماء
واختلافاتهم المتصلة مع الولاة في الخارج، والوزراء والملوك في دار الملك، فكان وضع السيف فيهم على عهد محمود الثاني، وصدور الأمر بقتلهم في الولايات مما نفس خناق الأمة. وإن كانت العقوبة التي نزلت بهم في الشام أخذ، لأن بعضهم وفيهم الرؤساء كانوا من الأهلين، فلما نزل ما نزل بجماعتهم غيروا ألقابهم وبدلوا طرازخم وثيابهم، وبعد أن تخلصت الدولة والأمة منهم صعب على العثمانية في بضع سنين أن تصلح ما فسد في عشرات بل في مئات، وهل من سبيل إلى ارتجال جيش منظم إلا إذا ساد السلام أعواماً طوالاً، وانتشر العلم وتعلم القواد على الأقل، وكيف يتأتى ذلك وطالع الدولة الحرب على الدوام لا تفتأ متنقلة من أزمة إلى أزمة، وكانت في هذه الحقبة خرجت من حرب الوهابية في الحجاز ودخلت في حرب اليونان.
ولم يخطر ببال الدولة يوم قام محمد علي في مصر أن يتدرج بعد قتل المماليك في مراتب القوة والسيادة، حتى يقبض على زمام الأمر 1804م وينظم قوتيه البرية والبحرية، وينشط الزراعة والتجارة وتسمو به الهمة، أن لا يكتفي بما يملك بل ينزع إلى التوسع في فتوحه، لإيقانه أن الدولة وإن كانت في صدد إدخال الإصلاح على أوضاعها بفضل محمود الثاني سلطانها العاقل، لا تستطيع أن تلحق غبار مصر التي جرت على الأصول في تنظيم جيشها وإدارتها وسلطان العثمانيين على اتساع ولاياته وكثرة خيراتها، يتعذر عليه أن يقوم في مملكته بما قام به محمد علي في ولايته، لأن الإصلاح في الجسم الثقيل المختلف الأمراض، أصعب منه في جسم له مرض واحد، إذا عولج كان أقرب إلى الصحة والاستمتاع بالسلامة.
كان الغرب في هذا القرن يسير إلى الارتقاء بخطى واسعة سريعة، والدولة العثمانية تنظر إلى هذه المظاهر باهتة، وقلما يبدو لرجالها أن يتحدثوا في سر هذا
الارتقاء وعواقبه عليهم وعلى جيرانهم، إن لم يجاروهم في هذا المضمار. فأصبحت دولة بني عثمان لا تكفى عادية دولة من دول الغرب إلا إذا استعانت بأُخرى عليها، واستفادت من تخالفهم وتباين أغراضهم، بعد أن كانت أيام شبابها تنال من دولها مجتمعات ومنفردات. ولكن الجيش الذي يصل إلى أسوار فينا على عجلات البقر، ويقاتل المحاربين والمسالمين بالسيف والنشاب