بعض المقاومة لعمال الدولة من الترك يخربون ديارهم، ويهلكون من أخذوا على أنفسهم حمايتهم من ضعاف السكان.
كان يظن بعد رحيل نابليون ومعاونة الإنكليز للدولة العثمانية على إخراجه من الشام، أن الدولة تبدل شيئاً من أصول إدارتها وترجع عن استسلامها لعمالها الذين يجبون الجبايات ويرضونها بجزءٍ منها ويحتفظون بالباقي لأنفسهم. ولكن الأحوال بقيت بحالها، وظن الجزار نفسه أنه هو الذي دفع جيش نابليون عن الشام، فعاد يمثل مظالمه ويحمل على الناس مغارمه، ويتناول استبداده المسلمين والنصارى واليهود على السواء، وجنونه فنون.
ولم يكف فلسطين ما حلّ من ظلم الجزار ثم وقائع نابليون حتى قام محمد باشا أبو المرق يسومها العسف والخسف، يجور على أهل بيت المقدس والخليل وغزة والرملة ولدّ، حتى اضطر السادات الأشراف الأبرياء لكثرة مظالمه أن يبيعوا أولادهم كما تباع العبيد والجواري على ما ذكر ذلك أحمد باشا الجزار في كتاب صدر عنه سنة 1217 إلى وكيله في دمشق.
ومن أحداث هذا الدور نهب العسكر الدمشقي 1214 جميع القرى في طريقه إلى غزير في لبنان، وتفرقت عساكر الدولة في ضياع كسروان ونهبوا كل ما وجدوه وذلك للضرب على أيدي الأمير بشير الذي كان على ما يظهر يحاول أن يأكل الخراج، ولذلك قاتله جيش الدولة 1215 مرة أخرى لما جاء إلى نواحي بعبدا في لبنان وقتل من أدركه في المتن، ورجع بشير إلى عاريا وكان عسكر الدولة أحرق عدة بيوت من بعبدا والحدث وسبي النساء وقتل العجائز والأولاد فاجتمع معه أربعة وخمسون رأسا من القتلى فأرسلوها إلى الجزار ونهبوا أموالا ومواشي وأحرقوا عاريا. وذهب والي دمشق سنة 1217 إلى حماة وفتحها وبالغ في الظلم حتى فر غالب أهالي حماة عن بلدهم اتقاء شره، وتفرقوا في دمشق وحلب وطرابلس وأصبحت حماة كالقرية لقلة سكانها.