فطمع الأهلون فيه ولم يعطوه مال الدورة، فألحق به الجزار جنده قاصداً قهره وعسكره. فركب وركب العسكر وتوجه نحو عسكر الجزار فدارت بين الفريقين حرب انتصر فيها والي دمشق على الجزار، وقتل الأول من عسكر الثاني خلقاً، ورجع لم يعترضه أحد وقد جمع الأموال الأميرية برمتها. وفيها قامت الإنكشارية على أعيان حلب وقتلوا كثيراً منهم حتى كانوا يقتلون السيد وهو يصلي في المحراب، فعرض الحال على الدولة فجاء شريف باشا والياً على حلب فمنعته الإنكشارية من دخولها، فتعهد بأن يكون مسعفاً لهم فدخل وأتته الأشراف فقوي بأسهم على الإنكشارية وبعد ذلك أرسل إلى الإنكشارية سراً أن يثوروا بالسادات فكبسوهم ليلاً وقتلوا منهم مائتين وخمسين نفساً وأخذ منهم شريف باشا خمسمائة ألف قرش وقدمها للدولة، وقويت شوكة الإنكشارية في حلب.
وفي سنة 1213 ضرب الجند الدالاتية جميع قرى دمشق وأكلوا مغلها وحرقوا دوابها وصار منهم قتل وسلب. قال ابن آقبيق: وقال أيضاً في حوادث هذه السنة: إنه كثرت الفتن وانحل الحكم حتى بقي إطلاق البارود من القلعة سبعة أيام. وانتشرت الفوضى في الأحياء والبلاد لا حكم فيها لحاكم ولا متسلم، وأفندية البلد دمشق مسجونون عند الباشا في المخيم وبقي ذلك حتى رحل الباشا، وبقي عسكره يومين وليلتين نهبوا في خلالها ما في القرى من مأكول ومنظور وعزم غالب أهلها على الرحيل لما أوقع فيهم الجند من الضرر.
بينا كانت الفتن الأهلية بين العمال على المال، والشام قد ضعفت فيها كل قوة، والدولة كلما رأت عاملاً قوياً تكتفي بأن تضع في جواره عاملاً آخر تملي له من قوتها حتى يظل في خصام مع جاره، والضعف في الإدارة ظاهر كل الظهور، والناس من الجزار في قسم عظيم من ديار الشام في أمر مريج، وهي مفتحة الأبواب خالية من أسباب الدفاع إلا ما كان من أسوار