شعري ما يرجى من عناية دولة بأُمتها وهي تعطي الوزير ثلاثة أطواخ والأطواخ أذناب خيل فالذنب معلق من أسفله في رأس عصاً وطولها نحو ثلاثة أذرع وشعره مسدول عليها، فإذا سافر الوزير يرسل الطوخ الواحد قبل سفره بيوم إلى محل نزوله فيستعدون لاستقباله وتهيئة ما يلزمه من المآكل والعلف للدواب بلا ثمن. وأما الطوخان الباقيان فيحملان أمام الوزير في السفر. ومعنى الأطواخ أن الدولة تحكم البلاد بأذناب خيلها قاله مشاقة ونحن نقول: إن الدولة التي يبلغ من غرورها هذا المبلغ لا تنجح في الحكم بحال.
قال جودت في حوادث سنة ألف ومائتين: إن وظيفة جابي المال في حلب كانت منذ أربعين سنة مطمح أنظار الموظفين في الدولة لأنها تأتيهم بثروات إذا جاءوا بها إلى الأستانة ينالون بواسطتها رتبة الوزارة ورتبة ميرميران، وممن كان منه ذلك أحمد باشا فإنه أخذ العلم والطوخ واشتهر شهرة عظيمة، وما برحت هذه الوظيفة تباع وتشترى بالمزاد، وكثيراً ما كانت الدولة ترسل بمفتشين يشاركون المرتكبين من هؤلاء الجباة، وكثيرون ممن يتولون هذه الوظائف يرحلون بالأموال ينفقونها في شهواتهم حتى يهلكوا فقراً وقهراً، ولذلك كانت أموال الدولة تبدد ويسرف فيها.
بدأ القرن وأعظم وزير مسموع الكلمة في الأستانة قوي الشكيمة في ظلم الرعايا
بالشام، أحمد باشا الجزار، تولى دمشق بعد ولاية عكا، وذهب أميراً مع الحج فرفع الدمشقيون الشكاوى عليه إلى دار الملك فعزل وذهب إلى الأستانة فعينته الدولة وزيراً على صيدا، وأقام في عكا وحصنها وضبط أملاك بيت شهاب في بيروت ورفع أيديهم عن حكمها، وأنشأ للثغر أرتجة وسوراً فسُر المسلمون بذلك، ونُصب على دمشق إبراهيم دالاتي باشا سنة إحدى ومائتين وألف وكان جسوراً مهيباً فحدث بينه وبين الأهالي اختلاف وتعصبوا عليه وحدثت فتنة، فأغلق أحمد آغا الزعفرنجي شيخ الإنكشارية القلعة وقتل من عسكر الوالي ثلاثمائة رجل وأراد لأن يضرب الوزير، فخرج