فكانوا يصعدون إلى أعلى السور ويسبون المصريين وأميرهم سباً قبيحاً، فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أسوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوةً ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم بالحبال والسلاسل وسبوا النساء والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، ثم جمعوا الأسرى خارج البلد وأعملوا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين المسلم والمسيحي والإسرائيلي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم. وبنوا من رؤوس القتلى عدة صوامع ووجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة والرياح والزوابع، ثم ارتحل عنها طالباً عكا. ولما بلغ ظاهر العمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هارباً فوصل إليها أبو الذهب ودخلها من غير مانع، وأذعنت له باقي المدن ودخلت تحت طاعته وهدم قلعة دير مار يوحنا ودير مار الياس في صفد وقتل رهبانهما.
ويقول جودت: إن أبا الذهب قام من مصر في ستين ألف جندي إلى يافا، وبعد حصارها خمسين يوماً استولى عليها وأعمل السيف في أهلها كبيرهم وصغيرهم، وأن ظاهر العمر طلب مدداً من الأمير يوسف الشهابي حاكم لبنان فأبى أن يمده فلم يسعه إلا الهرب من عكا والتجأ إلى عرب غزة، ولما حصل أبو الذهب في
عكا استولت الدهشة على الناس حتى إن بعض الأسر الكبيرة هاجرت بيروت خوفاً وهلعاً، أما الأمير يوسف حاكم لبنان فقدّم هدايا إلى أبي الذهب طيب بها قلبه، وجاء متسلم صيدا أحمد آغا الدكزلي ملتمساً رضاه مظهراً طاعته، فأمنه على نفسه ومركزه، كما جاء مشايخ بني متوال فأكرمهم أبو الذهب ثم استدعى أن يولى أمور مصر والشام فجاءه من السلطنة المنشور بذلك ولكن كان قد قضى نحبه وتفرقت جموعه وعادوا إلى مصر، فلم تنل الدولة مأربها من ظاهر العمر ولم تستفد الشام سوى أن قتل من أهلها جمهور كبير ولا سيما في حصار يافا. وجرى على أثر هذه الواقعة بين المتاولة والغز الذين في صيدا قتال عظيم فانكسرت المتاولة كسرة هائلة وقتل منهم جماعة.
قال جودت: لما سمع ظاهر العمر بوفاة أبي الذهب عاد إلى عكا وأخذ