دخل القرن الجديد والشام تسير من بؤس إلى بؤس، وتعاقب تبدل الولاة عليها والسعيد منهم من كان يحول عليه الحول، وأكثرهم يقيمون فيها أشهراً ثم يصرفون ويستبدل غيرهم بهم، ومنهم من كان يقيم أياماً ومنهم سبعة أيام ومنهم ثلاثة، وتعاقب على دمشق خلال هذا القرن واحد وثمانون والياً وعلى حلب تسعة وأربعون والياً، فكان الوالي لا يتمكن من الإصلاح إن أراده وقلبه متعلق أبداً بثبات منصبه، والغالب أنه لا يتوفر على غير جمع المال بالطرق المنوعة ليوفي ما عليه من المقرر لجماعة الآستانة من الأموال، وكان الولاة يبتاعون الولاية ابتياعاً والمزايد الأكبر هو الذي توسد إليه قال راسم في تاريخه: أمر السلطان مراد أن يكتب إلى أحمد باشا كوجك والي الشام بأن يدفع إلى السلحدار باشا عشرين ألف ليرة ويبقى في منصبه فاضطر الوالي أن يؤدي المبلغ.
ومن أهم أدوات التخريب في هذا القرن خروج جند الانكشارية عن حد الاعتدال وكثرة اعتدائهم على الرعية، يستطيلون على أموالها وأعراضها ويثلمون شرفها ويذلون أعزتها، وهم القوة القاهرة وأذاهم لاحق بالكبير والصغير. وكثيراً ما حاول الولاة أن يخففوا من غلوائهم ليستأثروا بالقوة دونهم أو يرفعوا عن عاتق الأمة التعسة بعض شرورهم، فيسفر قتالهم عن زيادة إيصال الشرور إلى الناس على ما يأتي تفصيله في هذا الفصل المغموسة حوادثه بالدماء.