المتوكل على الله وأرسله إلى مكان عسر يقال له الست أبراج والمظنون أنه كان هناك آخر العهد به فقتله وأشاع بين الملإ أنه مات، ولا يستكثر ذلك من ملك قتل أباه لأجل الملك فضلاً عن اخوته وآله. ويقول نامق كمال: إن الخليفة العباسي قد تخلى لآل عثمان عن حقه في الخلافة في جامع أياصوفيا علناً. وفي رواية أن الخليفة بقي إلى زمن السلطان سليمان وأنه أطلق من سجنه ووسع عليه وقال بعضهم: إنه أذن له بالسفر إلى مصر فسافر إليها ومات بها.
وروى المؤرخون أن السلطان سليماً كان يريد أن يعمل عملاً نافعاً للأمة بأسرها. كان ينوي أن يجعل اللغة العربية لغة الدولة الرسمية بدلاً من التركية فعاجلته المنية قبل إتمام هذا العمل الجليل. والغالب أنه نشأ له هذا الفكر يوم افتتح مصر والشام وخطب له في الحرمين الشريفين فسمي فاتح ممالك العرب، فرأى أن العرب في مملكته أصبحوا قوة لا يستهان بها، وأن الترك هم عنصر الدولة الأصلي لا يشق عليهم أن يستعربوا دع سائر العناصر من البشناق والأرناءوط والكرد واللاز والشركس والكرج. ولو وفق السلطان سليم إلى إنفاذ هذه الأمنية لخلصت الدولة العثمانية في القرون التالية من مشاكل عظيمة، ودخلت في جملة
العرب عناصر كثيرة مهمة، ولزاد انتشار اللغة العربية فأصبحت الأستانة موطناً لها كما كانت بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وغرناطة.
أصبحت الشام بالفتح العثماني آمنة غزوات الشمال والشرق والجنوب، وصارت بين أملاك الدولة الفاتحة فأمنت من هذه الوجهة ولكن أصبح أعداؤها في داخلها ومن أهل دولتها. فتحت الشام ومصر في وقعتين مهمتين وما عداهما فمناوشات لا يؤبه لها. فلما رحلت القوة وخلا الجو لجان بردي الغزالي نائب دمشق حدثته نفسه بالخروج عن الطاعة وصعب على طبعه إلا أن يخون سيده الثاني كما خان سيده الأول:
ومن يتعود عادة ينجذي لها ... على الكره منه والعوائد أملك
ففاوض بعض أمراء لبنان والعربان فوعدوه أن يمالئوه على عمله، ودعا لنفسه بالسلطنة في دمشق وبايعه الناس على ذلك طوعاً أو كرهاً، ووافقه على