والشريعة الإسلامية، وقد كان من تينك الدولتين المماليك والأتراك والشراكسة رجال عظام مثل بيبرس وقلاوون وابنه وبيبرس الجاشنكير وقايتباي وبرسباي ولكن جاء بعدهم ملوك ممخرقون وصبيان آل إليهم الأمر فأفسدوه أو من كفلوهم فلم يحسنوا كفالتهم من رجال الدولة. وقد وفقت هذه الدولة أي المماليك البحرية والبرجية لإخراج بقايا الصليبيين من الساحل فنجحت في التنكيل بهم حتى دثرت بقاياهم، ولكنها لم تقو على إنقاذ الشام من غارات التتر والمغول فقاست منهما ألوان العذاب والخراب.
وكان سلطان مصر والشام متى دهم الشام مداهم يعتصم بمصر وينعم ويلذّ في قصوره، ويكتفي بإرسال تجريدة قد تكون ضعيفة، أو يصدر أمره لنائب حلب أن
ينجد دمشق ولنائب دمشق أن ينجد حلب مثلاً، ولا يخرج الأعداء من هذه الديار إلا إذا أرادوا، وأتوا على الناطق والصامت وألحقوا العامر منها بالغامر، وباتت أمور السلطنة ألعوبة في كثير من الأدوار بأيدي ضعاف الأحلام من أسرة ذاك المملوك فتهيأت السبل لقيام دولة أخرى وهي الدولة العثمانية.
أما قانصوه الغوري آخر ملوك الشراكسة الذين حكموا الشام، ومن حكمه انتقلت إلى العثمانيين، فلم يكن بالذي ترجح حسناته على سيئاته، بذل جهده لدفع عادية العثمانيين فلم يفلح وطال عهده نحو ست عشرة سنة فكانت أيامه فتناً وغوائل ومخاوف، حتى قضى الله في دولته بأمره، واستطال عليها سلطان أقوى.
ولقد رأينا في دولة المماليك البحرية والبرجية أو التركية أو الشركسية عجائب القوة وعجائب الضعف، رأينا منهم أغلب الذي طالت أيامه يعمل كل نافع للقطرين، ورأينا الملك المأمون منهم يتولى الملك أشهراً ولا يسجل له الفوضى وسوء الإدارة، وقليل ممن لم تطل أيامهم من هؤلاء الملوك الصعاليك من جمع في نفسه أدوات السياسة والإدارة، وكان النواب في هذه الحقبة كما يفهم من ابن طولون إذا ظفر نائب دمشق أو أحد قواده ببعض الناشزين عن الطاعة من العربان تزين دمشق سبعة أيام على غلاء النفط وسوء حالة البلاد وكانت نفقة أحد النواب بدمشق أي واليها كل يوم ألف دينار. وقال في