بغزو المسلمين والتخلي عن غيرهم، صنع ذلك في الروم والهند وغيرهما، ولكن ما فعله لم يكن كله عن غير علم بل أخذ بما يؤخذ به كل من تفانى في الوصول إلى غرض، ويستحيل بعد أن فتحت عليه الأقاليم وفتح ثلث آسيا تقريباً بالقهر والسيف وجعل جيشه مؤلفاً كالجيش العثماني من جميع العناصر التي كانت تحت حكمه أن
لا يكون على شيء من العلم وبعد النظر. وكان يصحب معه في رحلاته زمرة من العلماء المحققين.
ولو قدّر للدولة أن يكون فيها سلطان يحسن الانتفاع بالقوة، ويحالف ابن عثمان صاحب الروم وغيره من أمراء الشرق الذين فاوضوا ملك مصر والشام في أمر تيمور قبل انهيال جمهرة جيوشه على ديارهم ونظموا قواهم واستعملوا اللين تارة والشدة أخرى، ولم يفتحوا للفاتح العظيم باباً من أبواب الحجج التي يحجهم بها في عرف السياسة والفتح، لأمنت هذه الديار عادية تيمور أو لكان اكتفى بمعاهدة تضمن له بعض الغرامات فرحل بسلام، لأن تيمور يعرف بأن مملكته أوسع مجالاً يتيسر بقاؤها لآله لقربها من مهد عصبيته ودار ملكه.
بيد أنه لم يكن في مصر ولا الشام على ذاك العهد رجل سياسي بعيد النظر والغور في السياسة كالظاهر برقوق والظاهر بيبرس مثلاً فكان ما كان لأن الديار أصبحت بلا راع يرعاها، وغدا الحكم لمماليك الطبقة الثانية من عماله، ولمن يتحمسون لأول وهلة ثم يقودون أمتهم بجهلهم إلى الخراب، والغالب أن السبب في رجوع تيمور انتشار الجراد حتى أكل الناس أولادهم فأصبح من المتعذر عليه بعد ذلك تموين جيشه العظيم، وبهذا الرأي قال ابن حجر فذكر أن رحيل تيمور إنما كان لضيق العيش على من معه فخشي أن يهلكوا جوعاً. وقيل: إن تيمور أراد أن يفتح مصر فأرسل جماعة من قواده يكشفون له الطرق فلما عادوا قصوا عليه ما رأوه وهو ساكت حتى أتوا على حديثهم فقال لهم: إن مصر لا تفتح من البر تحتاج إلى أسطول لتفتح من البحر ولذلك صرف النظر عن فتحها، وهكذا نجت مدن الجنوب في الشام من تخريبه وكذلك مصر وما إليها من بلاد إفريقية وسلمت الدولة الشركسية.