في الهواء مثل ذلك، وجعلوا الوجوه فيها بارزة تسفو عليها الرياح، وتركوا أجساد القتلى في الفلاة تنهشها الكلاب والوحوش. فكان عدة من قتل في هذه الواقعة من أهل حلب من صغار وكبار ونساء ورجال نحواً من عشرين ألف إنسان، عدا من هلك من الناس تحت أرجل الخيول عند اقتحام أبواب
المدينة وقت الهزيمة وهلك من الجوع والعطش أكثر من ذلك - هذا ما قاله ابن تغري بردي وابن حجر وابن إياس -. وقال ابن حجر: إن أعظم الأسباب في خذلان العسكر الإسلامي ما كان دمرداش نائب حلب اعتمده من إلقاء الفتنة بين التركمان والعرب حتى أعانه بعض التركمان على أموال نعير فنهبها فغضب نعير من ذلك وسار قبل حضور تيمورلنك فلم يحضر الوقعة أحد من العرب. وقال بعضهم: إن دمرداش كان باطن تيمور لكثرة ما كان تيمورلنك خدعه ومناه.
ووصل تيمورلنك إلى حماة وسليمة فأرسل جماعة من عسكره إلى نحو طرابلس فتاهوا عن الطريق فدخلوا في وادٍ بين جبلين فوثب عليهم جماعة من عربان جبل نابلس فقتلوا منهم جماعة كثيرة بالنشاب والحجارة فولوا مدبرين. وذكروا أن ابن رمضان أمير التركمان جمع عساكره وجاء حلب بعد رحيل تيمورلنك وطرد من بها من عساكره بحلب. وفعل تيمورلنك بأهل حماة كما فعل بأهل حلب من القتل والنهب وأحرق معظمها، ولم تطل يده إلى حمص فوهبها كما قال لخالد بن الوليد. قال ابن حجر: وذكر بعض من يوثق به أنه قرأ في الحائط القبلي بالجامع الأموي النوري بحماة منقوشاً على رخامة بالفارسي ما نصه: إن الله يسر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهى استخلاصنا إلى بغداد، فحاورنا سلطان مصر والشام فراسلناه لتتم المودة فقتلوا رسلنا، فظفرت طائفة من التركمان بجماعة من أصلنا فسجنوهم، فتوجهنا لاستخلاص قريبنا من أيدي مخالفينا واتفق في ذلك نزولنا بحماة في العشرين من شهر ربيع الآخرة.
وجاء تيمورلنك دمشق فنزل عند سفح جبل الثلج الشيخ في قطنا وإقليم البلان