حلب جماعة فأمر السلطان نواب دمشق وصفد وطرابلس بأن يجمعوا العساكر ويتوجهوا إلى حلب يقيمون بها، فأرسل تيمورلنك إلى دمرداش نائب حلب يعده بأن يبقيه على نيابته بشرط أن يمسك سودون نائب الشام، فأطلع دمرداش على ذلك سودون فوثب على الرسول فضرب عنقه، فلما بلغ ذلك تيمورلنك نازل حلب، ولكن تيمورلنك إذا تظاهر الشراكسة بالقوة أمامه يعرف ما تندمج عليه نفوسهم وتصل إليه قرائحهم، وإذا انكسر له فيلق صغير لم يكن إلا على أتم المعرفة بما عند من يريد فتح ديارهم، وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها، فكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم، فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها، وبلغ من دهائه أنه كان إذا أراد قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية، فيكاتب جواسيس تلك الجهات فتأخذ الجهة المعينة حذرها ويأمن غيرها، فإذا ضربوا النفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرّج بهم ذات اليمين، فإلى أن يصل الخبر الثاني يكون دهم هو الجهة التي يريد وأهلها غافلون.
وذكر ابن حجر أنه كان ابتداء حركة تيمورلنك إلى البلاد الشامية في سنة اثنتين وثمانمائة. وأصل ذلك أن أحمد بن أويس صاحب بغداد ساءت سيرته وقتل
جماعة من الأمراء وعسف على الباقين، فوثبوا عليه فأخرجوه منها، وكاتبوا نائب تيمورلنك بشيراز أن يتسلمها فتسلمها، وهرب أحمد إلى قرا يوسف التركماني بالموصل فسار معه إلى بغداد فالتقى به أهل بغداد فكسروه، واستمر هو وقرا يوسف منهزمين إلى قرب حلب، وقيل بل غلب على بغداد وجلس على تخت الملك، ثم صار صحبة قرا يوسف فوصلا جميعاً إلى أطراف حلب وسألا أن يطالع السلطان بأمرهما فكاتب أحمد بن أويس يستأذن في زيارته مصر، فأجيب بتفويض الأمر إلى النائب فخشي دمرداش نائب حلب أن يقصد هو وقرا يوسف حلب فسار نائب حلب ومعه طائفة قليلة منهم نائب حماة ليكبس أحمد بن أويس بزعمه، فكانت الغلبة لأحمد فانكسر دمرداش وقتل من عسكره جماعة، ورجع منهزماً وأُسر نائب حماة وفدي بستمائة ألف درهم، ثم جمع نعير والنائب ببهنسي جماعة والتقوا مع أحمد بن أويس