يتكلم بها في بادية الشام قبل الإسلام، ونقف على مقام رحالة من العرب كانوا على وشك أن ينتقلوا إلى اتخاذ البيوت وعيش الحضارة في الشام. أما الصفويون فلم يكونوا أول من قصد إلى أرض الميعاد ولا آخرهم، بل هم وحدهم الذين عرفناهم قبل أن يتحولوا تحولا كليا أي عندما كان لهم لسانهم وخطهم وأربابهم وعاداتهم. فمن الخطأ الاعتقاد بأن دخول العناصر العربية إلى الشام يرجع فقط إلى الفتح الإسلامي واختراق المسلمين صفوف الروم في وقعة اليرموك ومهاجمتهم الشام، ثم انتشارهم في الشرق حتى أواسط آسيا، وفي الغرب حتى أقاضي شمالي إفريقية ثم إلى أسبانيا. هذا الهجوم قد دل على بلوغ دولة العرب غاية مجدها، فإذا ظهر أن الفتح الإسلامي قد كان من الحوادث الشاذة فهو في الحقيقة نتيجة حركة عادية طبيعية نشأت من اختلاط العرب على الدوام بسكان الحضر ودخولهم أصقاعهم، هذا رأي دوسو وقال: لا ينبغي أن يفهم من لفظة العرب سكان جزيرة العرب فقط بل إنه يتناول أهل الظعن الذين يطوفون أواسط جزيرة العرب وشمالها وجميع بادية الشام.
وما برحت العربية تتأصل القرن بعد القرن في هذا القطر، حتى كانت الحروب الصليبية فخشي عليها أن تنازعها الأولية لغات الصليبيين، خصوصا بعد أن طال مقامهم في إنطاكية والساحل نحو قرنين يتكلمون بلهجات مختلفة أهمها الطليانية والفرنسية. بيد أن اللغة الفرنسية كانت لغة جميع الغربيين النازلين في الشرق، وكان معظم فرسان الصليبيين من الفرنسيين ومنهم جميع الأسر الحاكمة في الشام، على أن بعض أمراء الإفرنج من الصليبيين كانوا تعلموا اللغة العربية ومنهم صاحب قلعة الشقيف، وجاء منهم من ضرب النقود بالعربية مثل أصحاب عكا وصور وبيروت وطرابلس ورسموا عليها حروفا كوفية على شبه النقود الإسلامية، مع رموز نصرانية كالصليب وآيات من الكتاب المقدس. وأصبح نساؤهم ينتقبن كالمسلمات ويلبسن ثياب المسلمات مثلما كان رجالهن يلبسون ثياب الوطنيين.