خطط الشام (صفحة 410)

وفي تاريخ فلسطين أن من أضرار الحروب الصليبية في الشام إيقاد جذوة التعصب الديني بين المسلمين والمسيحيين، ورأى هؤلاء أن مسلمي العرب أحسنوا إليهم يوم الفتح أكثر مما رأوا من هؤلاء الفرنج الذين أنكروا أبناء دينهم. ومنها تخريب البلدان وقطع الأشجار حتى زادت الأسعار ستة أضعاف ما كانت عليه

ومنها تلطيخ الدين المسيحي والازدراء بتعاليمه، لأن مسيحيي الصليبيين كانوا أبعد الناس عن دينهم. وقد أجمع المؤرخون على أن المسلمين تقيدوا بالفضائل الدينية وراعوا المصلحة الإنسانية أكثر من الفرنج الناكثي العهود والقاتلي الأسرى، والذين أفحشوا في سفك الدماء لما دخلوا القدس وحقروا الديانة المسيحية اه.

لا جرم أن الصليبيين افتضحوا في هذا الشرق بأخلاقهم وقلة معرفتهم، وعرفوا بعد أن أخفقت الحملة الثامنة واصطلموا من الساحل مبلغ قوة أعدائهم، وأنهم في أرضهم، وهم يحتاجون إلى الرحيل أشهراً في البر وفي البحر. وذكر ميشو أن الفرنسيس والنور مانديين وسائر شعوب شمالي أوروبا المتوحشة في القرن الثاني عشر للميلاد كانوا في حالة البداوة وهذا ما ساعدهم على إعلان الحروب الصليبية في الشرق، فلما نشأت المدنية الحديثة في القرن السادس عشر وتسربت أولاً إلى الملوك أصبحوا لا يرون الاغتراب عن أوطانهم ولا الشعوب أن تفارق مساقط رؤوسها، وعمت الصناعات وحسنت الزراعة وانتشر العلم، وغدا ذكرى كل مدينة وكل أسرة وتقاليد كل شعب وقطر والألقاب والامتيازات والحقوق المستحصلة والأمل في تنميتها، كل ذلك قد غيّر من أخلاق الفرنج وبدل من ميلهم لحياة التنقل والارتحال وجعلها صلات تربطهم بالوطن. وقد كتب التوفيق للملاحة في القرن التالي واكتشفت أميركا واجتاز الملاحون رأس الرجاء الصالح فنشأ من هذه الاكتشافات تبدل كثير في التجارة، وأخذت الأفكار تتجه وجهة جديدة وأنشأت المضاربات الصناعية التي كانت قائمة بالحروب الصليبية تسير نحو أميركا والهند الشرقية، ففتحت أمام الغربيين ممالك كبرى وأقطار غنية تسد مطامعهم وتشبع نهمة التائقين إلى المجد والثروة والوقائع. فأنست حوادث العالم الجديد ما في الشرق من عجائب اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015