لاستيلائهم على
معظم ديار الإسلام، ولأنهم ما قصدوا إقليماً إلا فتحوه، وما تواقعوا مع عسكر إلا هزموه. قال ابن أبي شامة: ومن العجائب أن التتر كسروا وأهلكوا بأبناء جنسهم من الترك وقيل في ذلك:
غلب التتار على البلاد فجاءهم ... من مصر تركي يجود بنفسه
بالشام أهلكهم وبدد شملهم ... ولكل شيء آفة من جنسه
وقد رتب المظفر قطز شمس الدين أقوش البرلي أميراً بالسواحل وغزة وجهز عسكراً إلى حلب لحفظها، وفوض نيابة السلطنة بدمشق إلى الأمير علم الدين سنجر الحلبي ونيابة السلطنة بحلب إلى الملك السعيد بن بدر الدين لولو صاحب الموصل ولما استقر هذا في نيابة حلب سار سيرة رديئة وكان دأبه التحيل على أخذ مال الرعية.
سار الملك المظفر قطز إلى مصر بعد أن ظفر بالتتر ورد فلّهم إلى الشرق وكان اتفق بيبرس البندقداري وبعض أعيان الدولة على قتله، فساروا معه وقتلوه في القصير وتسلطن بيبرس البندقداري وتلقب بالملك الظاهر، ودخل مصر ففتحت له واستقرت قدمه في المملكة. ولما بلغ نائب السلطنة بدمشق علم الدين سنجر قتل قطز وسلطنة الظاهر جمع الناس وحلفهم لنفسه بالسلطنة، فأجابوه إلى ما أرادهم عليه، ولم يتأخر عنه أحد ولقب نفسه الملك المجاهد وخطب له بالسلطنة وضربت السكة باسمه وكاتب المنصور صاحب حماة في ذلك فلم يجبه وقال صاحب حماة: أنا مع من يملك الديار المصرية كائناً من كان. أما السعيد نائب السلطنة بحلب فحمله أمراؤها إلى الشغر وبكاس معتقلاً لما اندفع العسكر الحلبي من بين أيدي التتر على البيرة، وقدموا عليهم حسام الدين الجوكندار العزيزي. ثم سار التتر إلى حلب وملكوها وأخرجوا أهلها إلى قرنبيا شرقي حلب، فأفنوا غالبهم بالسيف، واستولوا على اعزاز وخربوا قلعتها، واستولوا على حارم وقتلوا أهلها عن آخرهم وسبوا النساء، وملكوا حلب وأعمالها نحو أربعة أشهر. وقارب التتر حماة فخرج منها صاحبها وباقي العسكر واجتمعوا بحمص مع سائر الأجناد فوقع بين التتر