مصر والخوارزمية، وساروا إلى دمشق وحاصروها وبها صاحبها الصالح إسماعيل وإبراهيم بن شيركوه صاحب حمص ولما ضاق صاحب دمشق ذرعاً بحصار صاحب مصر له سير الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة إلى العراق مستشفعاً بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه فلم يجب الخليفة إلى ذلك. وتسلم عسكر الملك الصالح أيوب دمشق من الصالح إسماعيل بن الملك العادل على أن يستقر بيد الصالح إسماعيل بعلبك وبصرى والسواد وتستقر حمص وما هو مضاف إليها بيد صاحبها. ثم إن الخوارزمية خرجوا من طاعة الصالح أيوب فإنهم كانوا يعتقدون أنهم إذا كسروا الصالح إسماعيل وفتحوا دمشق يحصل لهم من الإقطاعات ما يرضي خاطرهم، فلما لم يحصل لهم ذلك خرجوا من طاعة الصالح أيوب وصاروا مع الصالح إسماعيل، وانضم إليهم الناصر داود صاحب الكرك وساروا إلى دمشق وحصروها فقاسى أهلها شدة عظيمة. قال الذهبي: واشتد البلاء بدمشق واحترقت العقيبة والخوانيق، ودام الحصار والويل خمسة أشهر، وهلك العوام موتاً وجوعاً، وقل الشيء بالبلد حتى بلغت غرارة القمح ألفاً وستمائة درهم وأُبيع الخبز كل أوقيتين بدرهم، وأكلوا الميتة وأُبيعت الأملاك
والأمتعة بالشيء اليسير، وأُبيع رطل اللحم بتسعة دراهم، وأنتن البلد بالموتى على الطرق، وعظم الخطب وأُولئك يقاتلون على الملك، والخمور الفاحشة مضمنة بالبلد والمكوس شديدة. وقال غيره: وقطعت الخوارزمية على الناس والطرق وزحفوا إلى البلد من كل ناحية ورموا النيران في قصر حجاج وضربوا بالمناجيق وكان يوماً عظيماً، وبعث الصالح إسماعيل الزراقين فأحرقوا جوسق العادل وزقاق الرمان إلى العقيبة بأسرها، ونهبت أموال الناس واحترق بعضها. وزاد سبط ابن الجوزي: إنه أحرق قصر حجاج والشاغور واستولى الحريق على مساجد وخانات ودور عظيمة، ثم نصبت على دمشق المناجيق ورميت به من بابي الجابية والصغير، ونصبت مناجيق أيضاً من داخل البلد، وترامى الفريقان وأمر بتخريب عمارة العقيبة خارج باب الفراديس وباب السلامة وباب الفرج وأحرق حكر السماق وخارج باب النصر. وأرسل الصالح إسماعيل فأحرق جوسق والده العادل. قال المؤرخون: وجرى بدمشق أمور شنيعة بشعة جداً لم يتم عليها مثلها قط.