عليها، وتم لهم ذلك بسبب تخريب الحصون القريبة منها تبنين وهونين وغيرهما. وبينا كانت الرسل تتردد بين الملك الكامل وبين الأنبرور رحل الناصر داود وهو بنابلس إلى دمشق وكان قد لحقه بالغور عمه الأشرف وعرفه ما أمر به عمه الكامل، وأنه لا يمكنه الخروج عن مرسومه فلم يلتفت الناصر إلى ذلك فسار الأشرف في أثره وحصره بدمشق، وكانت الفتنة بين الملكين الكامل والناصر قبالة باب الجديد وفي الميدان وما بين ذلك والنصر فيه لأهل دمشق، ووقع الحريق والنهب في باب توما، وأحرقت بعض الطواحين ونهبت الدور ووقع الجرح والقتل وخربوا بعد أيام قريات من قرى الغوطة وأخرجوا منها أهلها مثل جوبر وجدبا وزملكا وسقبا وغيرها. قال في الذيل: وسمعت والدي وجماعة من المشايخ الذين
شاهدوا الحصارات المتقدمة في دولة أولاد صلاح الدين يحكمون أنهم ما رأوا أشد من هذا الحصار. وفي هذا الحصار أحرق الناصر للتحصن مدرسة أسد الدين وخانقاه خاتون وما يليهما من الخانات والدور والبساتين والحمامات والخانقاهات.
طال الأمر ولم يجد الملك الكامل بداً من المهادنة فأجاب الأنبرور إلى تسليم القدس إليه، على أن تستمر أسواره خراباً ولا يعمرها الفرنج، ولا يتعرضوا إلى قبة الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى، ويكون الحكم في الرساتيق إلى والي المسلمين ويكون لهم من القرى ما هو على الطريق من عكا إلى القدس فقط، ووقع الاتفاق على ذلك وتحالفا عليه وتسلم الأنبرور القدس فقامت القيامة في جميع بلاد الإسلام واشتدت العظائم، وأقيمت المآتم وقال الوعاظ والعلماء: يا خجلة ملوك المسلمين لمثل هذه الحادثة. قال ابن أبي شامة: جاءنا الخبر بأن الكامل أخلى البيت المقدس من المسلمين وسلمه إلى الفرنج فصالحهم على ذلك وعلى تسليم جملة من القرى فتسلموه ودخلوه مع ملكهم الأنبرور، وكان هذا من الوصمات التي دخلت على المسلمين، وكانت سبباً في أن توغرت قلوب أهل دمشق على الكامل ومن معه وقد ذكر سبط ابن الجوزي نكتة في تساهل الغالبين والمغلوبين إذ ذاك قال ما نصه: كان الكامل قد تقدم إلى شمس الدين قاضي نابلس أن يأمر المؤذنين ما دام الأنبرور في القدس أن لا يصعدوا المنائر ولا يؤذنوا في الحرم، فأنسي القاضي أن يعلم المؤذنين وصعد عبد الكريم المؤذن في تلك الليلة في وقت السحر والأنبرور نازل في دار القاضي فجعل يقرأ الآيات التي تختص بالنصارى مثل