اهتزت أعصاب المملكة لمهلك صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب مصر والشام واليمن والبلاد الشرقية لأنه الفاتح الثاني لبيت المقدس كما كان عمر بن الخطاب الفاتح الأول. وقد خلف صلاح الدين سبعة عشر ذكراً وابنة واحدة، وناب بعض أولاده عنه في أكثر أقاليمه وخلف أخاه الملك العادل أبا بكر، وكان ينوب عنه في مصر والشام في حياته فوقع الخلف بين بنيه وعمهم في الباطن أولاً، ثم أعلن كل واحد لصاحبه خصومته. وكان كثير ممن ربوا في نعمة الدولة الصلاحية ورأوا من عدلها ما لم يكد يسبق له مثيل إلا في دولة نور الدين، يتخوفون أن تصير حال الدولة بعد صلاح الدين إلى الشقاق والنزاع، ومن الذين أوجسوا خيفة من ذلك القاضي الفاضل وزير صلاح الدين الأكبر فقد كتب إلى ولده الملك الظاهر ساعة موت السلطان من كتاب إن وقع اتفاق فما عدمتم إلا شخصه الكريم، وإن كان غير ذلك فالمصائب المستقبلة أهونها موته وهو الهول العظيم.
وكان الملك الأفضل نور الدين علي أكبر أولاد صلاح الدين قد حلف له الناس عندما اشتد مرض والده فاستقر في ملك دمشق وما إليها، وبالديار المصرية الملك العزيز عماد الدين عثمان، وبحلب الملك الظاهر غياث الدين غازي، وبالكرك والشوبك والأقاليم الشرقية الملك العادل أبو بكر بن أيوب، وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر وببعلبك الملك الأمجد مجد الدين بهرام شاه، وبحمص والرحبة وتدمر شيركوه بن