بينا كان صلاح الدين على عكا يغادي الفرنج القتال ويراوحهم، جاءت الأخبار من الروم أن ملك الألمان قام لنجدة الصليبيين في الشام في مائة ألف محارب، فدخل اليأس على الناس وهذه هي الحملة المعروفة عند الفرنج بالحملة الصليبية الثالثة، ولكن سلط على ملك الألمان الوباء والغلاء وغرق في نهر كان يغتسل فيه في الروم، ولم يصل مع ابنه سوى ألف مقاتل فقط. يئس النس لأنهم ذهبوا إلى أن الفرنج لا تقوم لهم قائمة بعد وقعة حطين بل بعد استصفاء أكثر المدن والمعاقل التي كانت لهم ولا سيما القدس العلة الأولى في هذه الغزوات التي ألبسوها لباس الدين، وكانت هذه الحملة الثالثة مؤلفة من ثلاثة ملوك: فريدريك باربروس ملك ألمانيا، وفيليب أوغست ملك فرنسا، وريشاردس قلب الأسد ملك إنكلترا. فخف الأول إلى نجدة فرنج الشام قبل صاحبيه فكان من أمره ما كان أما الآخران فجاءا إلى عكا في البحر، وبعد أن فتح ريشاردس جزيرة قبرس تمكن الصليبيون من
أخذ عكا وقتل من المسلمين جمهور كبير.
قال ميشو: إن الوقعة التي حارب فيها ريشردس في بحر صور سفينة كبرى للعرب، كانت من أول الانتصارات ومقدمة الغنائم للبحرية الإنكليزية، وقال أمغلطاي: إن الفرنج حاصروا عكا من البر ومن البحر، وكانت عدتهم مائتي ألف وأربعين ألفاً، ونصبوا عليها المجانيق من كل جهة، وفتحوا فيها مواضع كثيرة حتى خربت ودثرت وصارت مثل الطريق، فغُلب المسلمون وطلبوا الأمان. وقال غيره: إن السلطان كان عمر في بيروت بطسة وشحنها بالعُدد والآلات، وفيها نحو سبعمائة رجل مقاتل، فلما توسطت في البحر صادفها ملك الإنكليز وأحاطت بها مراكبه وحصل القتال بين الفريقين، فلما رأى مقدمها اشتداد الأمر، نزل فخرقها حتى غرقت، وكانت هذه الحادثة أول حادثة حصل بها الوهن للمسلمين.
ثم رحل الفرنج عن عكا نحو قيسارية، والمسلمون يسايرونهم ويتحفظون منهم، ثم ساروا من قيسارية إلى أرسوف، ووقع بينهم وبين المسلمين مصاف أزالوا المسلمين عن موقفهم، ووصلوا إلى سوق المسلمين فقتلوا منهم خلقاً كثيراً، ثم