أعمال عسقلان ليعيد إليها الزراعة والعمران. ومن كتاب فاضلي يصف فيه بعض مدن فلسطين في الفتح الصلاحي: وهذه البلاد مدن ما كان عزم قبل منها مدنياً. وعمارات ما كان أمل إليها مفضياً. بل طال ما كان عنها مغضياً. مثل بيسان وكفربلا وزرعين وجينين كلها بلاد مشاهير لها قرى مغلة، وبساتين مظلة، وأنهار مقلة، وقلاع مطلة، وأسوار قد ضربت على جهاتها، وأحاطت بجنباتها، واتخذتها المدن سياجاً على قصباتها.
اتجهت همة صلاح الدين العالية إلى فتح ما بقي في أيدي الصليبيين من ثغور الساحل. وقصد إلى دمشق ولما اجتمعت العساكر من الأطراف سار منها فنزل على بحيرة قدس غربي حمص وأتته العساكر بها فرحل ونزل على أنطرطوس فوجد الفرنج قد أخلوها فأحرقها وأحرق البسية وهي بيعة عظيمة عندهم محجوج إليها من أقطارهم. وسار إلى مرقبة فوجدهم قد أخلوها أيضاً وسار إلى المرقب وهو للإسبتار فوجده لا يرام وتسلم جبلة وبلدة من غربي النهر على شاطئ البحر وسار إلى اللاذقية ولها قلعتان فحصر القلعتين وزحف إليهما فطلب أهلهما الأمان فأمنهم وتسلم القلعتين وعمر البلد وحصن قلعتها.
ولما كان على اللاذقية طلب مقدم أسطول صقلية من السلطان الأمان ليحضر عنده فأمنه وحضر وقبل الأرض بين يديه وقال ما معناه: إنك سلطان رحيم كريم وقد فعلت بالفرنج ما فعلت فذلوا فاتركهم يكونون مماليكك وجندك تفتح بهم الممالك وترد عليهم بلادهم، وإلا جاءك من البحر ما لا طاقة لك به، فيعظم عليك الأمر ويشتد الحال فأجابه صلاح الدين بنحو من كلامه من إظهار القوة والاستهانة بكل من يجيء من البحر وأنهم إن خرجوا أذاقهم ما أذاق أصحابهم من
القتل والأسر ورحل السلطان إلى صهيون فتسلمها بالأمان فلم يجبهم إلا على أمان أهل القدس فيما يؤدونه فأجابوه إلى ذلك وتسلم قلعة صهيون، ثم فرق عسكره في تلك الجبال فملك حصن بلاطُنُس وكان الفرنج قد أخلوه، وملك حصن العيذو وحصن الجماهيرية، ووصل إلى قلعة بكاس فأخلاها أهلها وتحصنوا بقلعة الشغر فحصرها ووجدها منيعة فضايقها فطلب أهلها الأمان، وحصر ابنه الملك الظاهر غازي قلعة سرمين وضايقها وملكها، واستنزل أهلها على قطيعة قررها عليهم وهدم