وكان ذلك من أعظم الأسباب الموجبة لفتح
بلادهم واستنقاذ البيت المقدس منهم.
كانت سنة 583 سنة مباركة جداً على صلاح الدين وعلى المسلمين، كما كانت عليه سنة 564 بفتح مصر وإنقاذها من أيدي الفاطميين. ضرب صلاح الدين الفرنج ضربة لم ينلهم مثلها منذ وطئوا أديم الشام سنة 491 فبدأ بمضايقة الكرك 583 خوفاً على الحجاج من صاحبها فأخرب كما قال من رسالة إلى أخيه سيف الإسلام عماراتها وأحرق غلاتها، وقطف ثمراتها، وأزعج ساكنيها، وأخاف آمنيها، وأجلى عنها فلاحيها، وأقام النوائح عليها في نواحيها. وأغار بعض عسكره على عكا وغنموا ثم حصر مدينة طبرية ومعه الجاندارية والخراسانية والحجارون والنقابون ففتحها بالسيف وكانت للقومص صاحب طرابلس، وكان مهادن السلطان فاجتمع إلى الفرنج للحرب - وكانت طبرية تقاسم على نصف مغل الصلت والبلقاء وجبل عوف والحيانية والسواد وتناصف الجولان وما يقربها إلى كورة حوران.
واجتمعت ملوك الفرنج فارساً وراجلاً وساروا إلى صلاح الدين فركب إليهم من طبرية، والتقى الجمعان واشتد القتال بينهم وأحدق المسلمون بالفرنج من كل ناحية وأبادوهم قتلاً وأسراً على قرية حطين بالقرب من طبرية وأسر في جملة من أسر ملك الفرنج الكبير وصاحب الكرك وصاحب جبيل وغيرهم من قمامصتهم وأمرائهم. وكان الفرنج في حطين خمسة وأربعين ألفاً فلم يسلم منهم سوى الفلّ وقتل الباقون واستأسروهم فقتل منهم أربعون ألفاً وقيل أقلّ من ذلك، ولما انقضى المصاف جلس السلطان خيمته وأحضر ملك الفرنج وأجلسه إلى جانبه وكان الحر والعطش به شديداً فسقاه السلطان ماءً مثلوجاً وسقى ملك الفرنج منه البرنس أرنلط صاحب الكرك فقال له السلطان: إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فيكون أماناً له، ثم كلم السلطان البرنس ووبخه على غدره غير مرة وعلى قصده الحرمين الشريفين، وقام السلطان بنفسه فضرب عنقه فارتعدت فرائص ملك
الفرنج فسكن جأشه.
قالوا: وقد عرض السلطان الإسلام على الداوية والإسبتار، فمن أسلم منهم استبقاه، ومن لم يسلم قتله فقتل خلق عظيم، وبعث بباقي الملوك والأسارى إلى