وبعد تسليم عزاز لصلاح الدين جاء حلب فحاصرها وبها الصالح بن نور الدين
فسألوا صلاح الدين في الصلح فأجابهم إليه وسألوه قلعة عزاز فسلمها إليهم، ورفع على حلب علمه الأصفر، ورحل عنها في المحرم 572 ورجع من كورة الإسماعيلية وحصر قلعة مصياف، فسأله خاله شهاب الدين الحارمي صاحب حماة الصفح عنهم بسؤال سنان فرحل عنهم إلى مصر، وسنان هذا هو أبو الحسن سنان بن سليمان بن محمد الملقب راشد الدين صاحب قلاع الإسماعيلية ومقدم الفرقة الباطنية بالشام وإليه تنسب الطائفية السنانية وهو الذي كتب إلى صلاح الدين جواب كتاب كان هدده فيه على ما نقل ذلك ابن خلكان وافتتحه بقوله:
يا ذا الذي بقراع السيف هدَّدنا ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قام الحمام إلى البازي يهدّده ... واستيقظت لأسود البرّ أَضْبُعه
أَضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
ثم أردف هذه الأبيات بكتاب كله تهديد لصلاح الدين وقد كتب إليه مرة أخرى:
بنا نلت هذا الملك حتى تأثلت ... بيوتك فيها واشمخرَّ عمودها
فأصبحت ترمينا بنبلٍ بنا استوى ... مغارسها منا وفينا حديدها
وفي ذلك بيان لقوة الإسماعيلية في عصر صلاح الدين وكانوا يتهددونه كما يتهددهم ولذلك كان يغضي في الغالب عنهم وإن حاولوا اغتياله غير مرة. ولما بلغ عسقلان 573 وشن الغارات على الفرنج طلعوا عليه وهو في بعض العسكر فقاتلهم أشد قتال، وقاربت حملات الفرنج السلطان فانهزم إلى مصر على البرية ومعه من سلم، فلقوا مشقة وعطشاً وأسر الفرنج العسكر المتفرق في الإغارة، وأسر الفقيه عيسى من أكبر أصحاب صلاح الدين فافتداه بعد سنين بستين ألف دينار هذا مع أن جيش صلاح الدين كان نحو عشرين ألفاً وقعت الكسرة عليهم لأنهم كانوا متفرقين في الغارات وكسروا ومعظمهم لم يعلم بالهزيمة. وفي هذه السنة حصر الفرنج حماة طمعاً بهزيمة صلاح الدين وبعده وكادوا يمكلونها فجد
المسلمون في القتال ثم رحلوا عنها إلى حارم. وفيها قبض الملك الصالح على كمشتكين متغلباً على الأمر وكانت له حارم فعذب كمشتكين وأصحابه ليسلموا