يخصه إلا من ملك كان له قد اشتراه من سهمه من الغنيمة ومن الأموال المرصدة لمصالح المسلمين. أحضر الفقهاء واستفتاهم في أخذ ما يحل له من ذلك فأخذ ما أفتوه بحله ولم يتعده إلى غيره البتة. وأسقط كل ما يدخل في شبهة الحرام فما أبقى سوى الجزية والخراج وما يحصل من قسمة الغلات وكتب أكثر من ألف منشور بذلك. وأطلق المظالم بحلب ودمشق وحمص وغيرها وأسقط من دواوينه عن المسافرين الضرائب والمكوس وحرمها على كل متطاول إليها، فكان مبلغ ما سامح به في حلب وما إليها فقط في السنة 156 ألف دينار وما وقفه وتصدق به مائتي ألف دينار، وتقدير الحاصل من ارتفاعه في كل سنة ثلاثون ألف دينار، وأقطع أمراء العرب لئلا يتعرضوا للحاج وجدد قني السبل ووقف الكتب الكثيرة، وأجرى على العلماء والقراء. ولقد رأى أصحابه على ما روى ابن الأثير كثرة خرجه فقال له أحدهم: إن لك في بلادك إدرارات وصدقات كثيرة على الفقهاء والفقراء والصوفية والقراء فلو استعنت بها في هذا الوقت لكان أصلح فغضب من ذلك وقال: والله إني لا أرجو النصر إلا بأولئك فإنما أنتم ترزقون وتنصرون بضعفائكم. كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عني وأنا نائم على فراشي بسهام لا تخطيء وأصرفها إلى من لا يقاتل عني إلا إذا رآني بسهام قد تصيب وقد تخطيء. وهؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال كيف يحل لي أن أعطيه غيرهم؟
وكان يأخذ مال الفداء ويعمر به الجوامع والبيمارستانات وأخذ من أحد ملوك الفرنج ثلاثمائة ألف دينار وشرط عليه أن لا يغير على ديار الإسلام سبع سنين
وسبعة أشهر وسبعة أيام وأخذ منه رهائن على ذلك وبنى بالمال المستشفى النوري بدمشق، ولما بلغ الملك الفرنجي مأمنه هلك. وكان يبعث بما يصل إليه من هدايا وغيرها إلى القاضي يبيعه ويعمر به المساجد المهجورة ولا يتناول منه شيئاً، وأمر بإحصاء مساجد دمشق فأحصيت مائة مسجد فوقف الأوقاف على جميعها، وكانت وقوفه في الشام سنة وفاته 108 آلاف دينار صورية ليس فيها ملك فيه كلام بل حق ثابت بالشرع باطناً وظاهراً صحيح الشراء. وكان آية الرحمة على الفقراء والعدل في الرعية غضيضة عن الشر عينه ثقيلة عن الباطل قدمه. حضر جماعة من التجار عنده وشكوا أن القراطيس كان ستون منها بدينار وتزيد وتنقص فيخسرون فسأل الملك العادل عن كيفية الحال، فذكروا أن عقد المعاملة على اسم الدينار