قلنا إنه حدث جفاء بين السلطانين والسبب فيه أنه لما قويت سلطة صلاح الدين في مصر وولي ملكها بعد مهلك عمه أسد الدين شيركوه وأصبح الآمر الناهي أرسل نور الدين إليه يأمره بقطع الخطبة العلوية وإقامة الخطبة العباسية، فراجعه
صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة، فلم يلتفت نور الدين إلى ذلك وأصر عليه فأمر صلاح الدين الخطباء أن يخطبوا للمستضيئ العباسي فامتثلوا، وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أحد من أهله بقطع خطبته ولما هلك جلس صلاح الدين للعزاء واستولى على قصر الخلافة وعلى جميع ما فيه وكان شيئاً كثيراً جداً فقويت بذلك شوكته وأصبح ملك مصر حقاً وصدقاً.
وضيق على آل الخليفة الفاطمي حتى لا يتطال أحدهم لدعوى الخلافة بعد العاضد واستدعى من الشام أباه واخوته، وكان نور الدين مع هذا لا يخاطبه تواً بل يخاطب أمراءه بمصر ومن جملتهم صلاح الدين، ولقد توطد ملك مصر لصلاح الدين والخطبة له فيها بعد نور الدين يدعى لهذا بعد الخليفة العباسي، وكلما مضى شهر يزداد نور الدين استيحاشاً من صلاح الدين مع أن صلاح الدين سد أبواب الشك على نور الدين، فقام بجميع رسوم التعظيم له، وكان معه كقائد مع سلطانه، وكان صلاح الدين نازل الشوبك وهي للفرنج ثم رحل عنه خوفاً أن يأخذه نور الدين، واعتذر بأنه ربما نشبت الفتنة في تغيبه عن مصر ودعا دعاة العبيديين إلى إرجاع دولتهم.
ولما جاء نور الدين الكرك من قابل وحصرها 568 كان قد واعد نور الدين أن يجتمعا على الكرك وسار نور الدين من دمشق حتى وصل إلى الرقيم بالقرب من الكرك، فخاف صلاح الدين من الاجتماع بنور الدين واعتذر بمرض أبيه وأنه يخشى أن يموت فتذهب مصر، فقبل نور الدين عذره في الظاهر، وفي الواقع أن أيوباً والد صلاح الدين قضى نحبه في تلك المدة. كان في نفس كل من نور الدين وصلاح الدين شيء على صاحبه، فلم يخرج صلاح الدين بعساكره إلى الشام لحصار الكرك والشوبك ونهب أعمالها إلا لما أيقن أن نور الدين ابتعد عن سمت الشمال وقصد بلاد قليج أرسلان ملك الروم لفتح مرعش وبهسنا حتى لا